الرئيسةدراسات/مقالات

الفلسفة المدرحيّة.. فلسفة أصيلة تقدّم الترياق لخلاص الأمة والعالم

 د. ادمون ملحم

المدرحيّة هي فلسفة اجتماعية جديدة تتناول الإنسان، بحقيقته الاجتماعية، والقيم الإنسانية وقضايا الوجود الإنساني وتطوره. وتنبثق عن هذه الفلسفة الشاملة “نظرات جديدة في الاجتماع بأشكاله النفسية والاقتصادية والسياسية جميعها”[1]، ويعتبرها سعاده “فلسفة كاملة في الاجتماع والتاريخ”[2] و”نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن” تُشَكِّلُ فتحاً فلسفياً جديداً “ومركز انطلاق نحو سموٍّ إنساني جديد”.[3] وفي تعريفه لهذه الفلسفة، يقول سعاده، هي “فلسفةُ التفاعلِ الموحَّدِ الجامعِ لقوى الإنسانيةِ”[4] القائلةِ بتفاعل العوامل المادية – الروحية في كلِّ معركةٍ إنسانيةٍ غايتُها سد الحاجات الحيوية والمطالب المادية والنفسية والارتقاء بالحياةِ وتجويدُهَا.

وهذه الفلسفة الاجتماعية الكاملة والموجودة “في المبادئ وفي كتابات المعلم وشروحه، في كتبه وخطبه ومحاضراته وأحاديثه وفي قدوته”[5]، ترى وجود الإنسان من زاوية الحقيقة الإنسانية الكبرى، حقيقة المجتمع الذي هو الوجود الحقيقي والضروري لبقاء الإنسان والتحقيق الأمثل للذات الإنسانية، لا من زاوية الفرد كما رآه السفسطائيّون، بأسلوبهم المتهوّر، الذين جعلوا الفرد حكماً و”مقياساً لكل الأشياء” أي ان “كل فرد هو لنفسه مقياس الحقيقة شعوراً ومعرفة، فلا تكون هناك حقيقة واحدة بل حقائق.”[6] وهذا الأسلوب نتيجته الوحيدة: الفوضى في المجتمع. والمدرحيّة لا ترى وجود الإنسان من زاوية فلسفة الشخصانية أي فلسفة الشخصية الفردية الأنانية الفوضوية التي تسيء بسلوكها وأنانيتها للمجتمع. هذه الفلسفة حاول فايز صايغ بثَّ أفكارها في أوساط الحزب، متأثراً بالمفكر الروسي نقولا برديايف الذي رّوجَ لها في كتاب “العبودية والحرية”، معتبراً “أن الفرد منبثقٌ رأساً من الله وليس من النوع الإنساني أو المجتمع الإنساني”[7]، وهو كائن حر وفوضوي ومتمرّد. فشخصيّته السلبية لا تتحقق إلا بالتمرد على واجبات المجتمع وعدم الاتحاد فيه وبالتحرر من الاعتماد على الطبيعة والمجتمع والدولة. فالشخصية الفردية الحرّة الخلاّقة، بنظر هذه الفلسفة الفردية، هي القيمة العليا وقضيتها فوق قضية المجتمع ومتقدمة عليها ولا ولاء لها إلا لأنانيتها الفردية.[8]

والمدرحيّة ترى ايضاً أن الحياة الإنسانية والارتقاء الإنساني لا يمكن تفسيرهما بالمبدأ الروحي وحده او بالمبدأ المادي وحده بل بالتفاعل الروحي- المادي المتجانس الذي يحقق مطالب الحياة المادية والنفسية ويرتقي بها.. وكما يؤكد سعاده: “إننا نقول بأن التاريخ والحياة يفسران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامـع. بفلسفة جديدة تقول إنّ المادة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم.”[9] وفي رسالة وجهها للقوميين الاجتماعيين عام 1947، أكّدَ ان تعاليمه المُحيّية تدعو العالم إلى ترك العقائد الجزئية، الخانقة والجشعة والجامحة، في تفسير التطور الإنساني وإلى الإقلاع عن مقولة اعتبار العالم ضرورة، عالم حروب مهلكة بين القوتين المادية والروحية.. ودعا المكابرون إلى التسليم معه “بأن أساس الارتقاء الإنساني هو أساس روحي – مادي (مدرحي) وأنّ الإنسانية المتفوقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد صرح مستقبلها عليه. ليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفته ولا المكابرون بالفلسفة الروحية بمستغنين عن المادة وفلسفتها.”[10]

فلسفة أصلية

والمدرحيّة ليست فلسفة غريبة، مستوردة من العالم الخارجي او مقتبسة من فلسفاته العصرية المتنوعة، بل هي فلسفة أصلية نبتت في تربة البيئة السورية بجذور عميقة في التاريخ ونمت شامخة في الحياة تعطي من ثمارها أفكاراً صالحة تغذّي العقول ومناقب سامية تهذّب النفوس. فهي، أولاً، فلسفة منطبقة على خصائص البيئة السورية واستعدادها النفسي والمادي لتقبلها والعمل بها، ومتوافقة مع شخصية المجتمع السوري وخططه النفسية. وهي، ثانياً، فلسفة ناتجة عن التفكير السوري الإبداعي المستقل المرتكز على الاستقلال الروحي والفكري والذي نجد أصوله في نفسية الشعب السوري وفي تراثه الفكري-الثقافي الحضاري منذ بداياته الأولى ابتداءً من الأساطير العميقة “الراقية ذات الصبغة الفلسفية المتناولة قضايا الحياة الروحية والمادية”[11] مروراً بما أنتجه السوريون القدامى من فكر وحكمة وعلم وفنون وفلسفات وشرائع وتصورات للكون والحياة وغيرها من المآثر الثقافية والإنجازات التي سجّلها عظماء سورية ومنهم فلاسفة كبار أمثال طاليس الفينيقي، المعروف بأبي الفلسفة، وزينون الفيلسوف الرواقي، السوري – الفينيقي، الذي أنشأ المدرسة الرواقية التي وضعت “أسس الأخلاق والفضائل والقيم” الجديدة لإنسان جديد عالمي ولمدينة كونيّة فاضلة حيث البشر فيها إخوة والذي عبَّرَ بنظرته الفلسفيّة العميقة عن النفسيّة السوريّة العمليّة التي لم تتهرّب يوماً من العمل لتحقيق الأفضل في هذا الوجود ولم تلجأ في نهجها إلى ما وراء الوجود، إلى الميتافيزياء، لتحل مشاكل الإنسان وتوقه إلى السيطرة على أسرار الكون. وأمثال الفيلسوف الشاعر المتألق أبي العلاء المعرّي والفيلسوف الأديب جبران خليل جبران والعبقري الدكتور فيليب حتي وغيرهم.

والتفكير السوري الإبداعي الذي سعى في كل مراحل التاريخ إلى الكشف على أسرار الكون وألغازه وإلى ابتكار الاختراعات والفنون الراقية وتسجيل أروع الشرائع والقوانين والفلسفات وغيرها من المنجزات الحضارية.. هذا التفكير الإبداعيّ تجلّى في إنتاج سعاده وطريقة تفكيره المستقل و”شكّلَ انقلاباً فكرياً عظيماً وسط شعبنا يعكسُ نفسيتنا السورية الجميلة الفاعلة في الوجود والتي تتمتّع بكل مؤهلات الوعي الصحيح والإدراك الشامل لشؤون الحياة والكون والفن والتي “تقدر في ذاتها على المعرفة”[12] و”تمييز القصد وتصور أسمى صور الجمال في الحياة”.[13]

وبفضل نبوغه وعبقريّته وما تمتع به من ملكات عقلية ومن مهارات الإبداع والتفكير الإيجابي السليم والبعيد عن التقليد والاقتباس، ونتيجة معرفته العميقة بالتاريخ والعلوم الاجتماعية والانتروبولوجية والجغرافية واطلاعه الواسع على حضارات إنسانية وعقائد دينية ومذاهب فلسفيّة متنوّعة، استطاع سعاده ان يصيغَ فلسفته القومية الاجتماعية الجديدة التي تُعتبر ابتكاراً جديداً في التفكير الفلسفي واستمراراً فلسفياً لخط التفكير السوري القديم وقضاياه، ولكن “بفهم جديد للحياة وقضاياها والكون وإمكانيّاته والفن ومراميه”.[14] فنظرة سعاده الجديدة متصلة اتصالاً وثيقاً بالأصل الجوهريّ، بخط الذات السوريّة التاريخيّة وسيرها وبحقائق التفكير السوري القديم ومبادئه وقضاياه، وصادرة عنه، وهذا ما يسمّيه سعاده، بموصل “الاستمرار الفلسفيّ” بين السوري القديم والسوري القومي الاجتماعي الجديد[15]. ومبدأ الاستمرار الفلسفيّ يتجلّى بشكل واضح في شرحه للمبدأ الأساسيّ السابع، الذي يتضمّن دعوة صريحة إلى النهوض القومي عبر طريق الاستقلال الفكري-الروحي المنزّه عن التأثيرات الغريبة دون الانعزال عن التفاعل مع العالم، وفي دعوته الواضحة للاتصال بالذات السورية “وفهم بنيتها وتيارات عواملها ومبادئها المحركة”[16] من خلال الالتزام بالتاريخ القومي والعودة إلى التراث السوري والحضارة السورية وإلى جوهر الأمة ونفسيتها الحقيقية الظاهرة في إنتاج رجالها الفكري والعملي وفي سيرها وأعمالها ومآثرها الثقافية.[17]

إن نظرة سعاده العملية للوجود المبنية على فهم جديد للحياة وقضاياها لا تعتمد على مبدأ الاستمرار الفلسفي وحده بل على مبدأ الاطراد الفلسفي ايضاً. المبدأ الأول يُوصل التفكير الجديد بالتفكير القديم ولا يلغي الحقائق القديمة أو يلقيها في زاوية الإهمال والنسيان، إنما يعدِّل فيها ويبقي على الصالح منها. أما مبدأ الاطراد الفلسفي، فيعني أن النظرة الجديدة هي أعلى درجة وأرقى من مفاهيم السابقين في بحثهم عن الحقيقة. إنها تقدّم إضافات جديدة للمفاهيم السابقة لذلك يمكن اعتبارها خطوة جديدة متقدمة نحو الارتقاء لأن الحياة تسير إلى الأمام في شكل تطوّري وتصاعديّ وليس إلى الوراء. وهذا المبدأ يعني أن المدرحيّة تأخذ بفكرة التطور وليس بفكرة التراجع. فالوجود الإنساني (السوري) وجود طبيعيٌّ، حيٌّ، في البيئة السورية الطبيعية وهو حصيلة ناتجة عن التفاعل المادي – النفسي ويسير وفق نسق تطوريّ ممتدّ في الزمان، وكل مرحلة من مراحل هذا التطور مرتبطة، بشكل وثيق، بالمراحل التي سبقتها. وقد بيّنَ سعاده صفات هذا الوجود في كتاباته المتعددة، كما وضع الأساس العلمي العام لتكوينه بجميع مظاهره وعوامله الأساسيّة في كتابه “نشوء الأمم” ولم يتمكن من إنهاء كتابه الثاني في بحث “نشوء الأمة السورية” ومحلّها في سياق التّطوّر الإنسانيّ إذ صودرت أوراقه أثناء الاعتقالات الثّانية في صيف 1936 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي، وتعرّض بعد ذلك إلى ملاحقات ودسائس ومتاعب واغتيال.

ودعا سعاده أبناء شعبه للأخذ بنظرته الجديدة وللعمل بوحي تعاليمها من أجل إشادة تمدّن جديد أفضل من التمدن القديم الذي وضع قواعده أجدادنا الأولون وبناء حياة راقية يجدون فيها كل الفرج والجمال وحسن المآل، وقال: “يجب على الأمم الراقية ان تتشبه بنا او تنسج على طرازنا القومي الاجتماعي”.[18]

فالسوريون القوميون الاجتماعيون يجاهدون، ولهم عقيدة كلية، تشمل جميع مناحي الحياة الاجتماعية، وترتفع في مثل عليا غير متناهية. إنهم يحاربون، واثقين من أنهم يشيّدون تمدناً جديداً أفضل من التمدُّن القديم الذي وضع قواعده أجدادهم الأولون. فهم، من هذه الناحية الفلسفية، الأساسية، في طليعة الأمم التي تسعى لإيجاد عالم أفضل من الموجود، ولا يحتاجون لأخذ دروس، في هذا الموضوع، من شعب من الشعوب، بل إنهم يشعرون بأنهم يقدرون أن يفيدوا الشعوب الأخرى، في جميع القارات على السواء، بتفكيرهم الجديد، الذي لم يسمح لهم الأدباء المجزرون، والنفعيون، والرجعيون، بالانصراف إلى توسيعه وإعلاء بنائه وكشف مخبآته الرائعة، بما أثاروه عليهم من ضجيج، وما شغلوهم به من عنعنات وترهات ومخرفات، لم يجد القوميون الاجتماعيون بداً من الحفول بها، وصرف بعض الوقت الثمين في محاربة سمومها.[19]

فلسفة الأساسيّات:

حرَّكَ سعاده قضية الفكر الفلسفي الأساسي ودعا المنتجين فكراً وفناً، من أدباء وشعراء ومثقفين وموسيقيين وطلبة العلم والفلسفة، للأخذ بنظرته الجديدة إلى الحياة والكون والفن ولإنتاج أعمالهم على ضوئها وللتعمق في درسها بأبحاث ثقافية وفلسفية وأدبية واقتصادية جديدة توضح المسائل والقضايا التي تعالجها وتنقل الفكر من السطحيات ومسائل الإدراك العادي والتفكير الاعتيادي إلى الأساسيّات: إلى المرامي السامية من الفكر والشعور وإلى “قضايا الحياة والوجود الأساسية الكبرى وقضايا الحياة العملية”.[20] وبرأي سعاده، فإن القضايا الأساسية السامية تشمل قضية الفرد – الإنسان والمجتمع وغرض الوجود الإنساني وقضية الوطن القومي والعمل في سبيله وحفظ سلامته ووحدته وحياته. كما تشمل القيم الإنسانية المجتمعية كالحرية والواجب والنظام والقوة والحق والخير والجمال وغيرها.[21] وفي كتاب توجيهي أرسله سعاده إلى الدكتور شارل مالك بعد أن أهداه هذا الأخير نسخة من خطاب بالإنكليزيّة ألقاه في كلية البنات في الجامعة الأميركانية بعنوان “معنى الفلسفة”، يقول سعاده:

إنه من الحسن أن يفكر الإدراك العادي بديمكريطس وصكرات وأفلاطون وأرسطو وأغسطين وزينون ونيتشه. ولكني حين أفكر أنا في الفلسفة لا أفكر بهذه الأسماء، بل في الحقائق الأساسية والمرامي النفسيّة الأخيرة عينها التي فكّر فيها هؤلاء الفلاسفة.[22]

ومن أجل نفض الغبار عن حقيقة النفسية السورية الأصلية ومكنوناتها، دعا سعاده إلى إحياء التراث السوري الروحي – الفكري والكشف عن مآثر هذه النفسية الثقافية وإنجازاتها وإلى العودة إلى الجذور الحضارية وإلى الأساطير السورية الأصلية ذات المغزى الفلسفي في الوجود الإنساني طالباً من الأدباء والشعراء السوريين الاطلاع على هذه “الكنوز الروحية الثمينة” وما يوجد في طبيعة أمتهم من موحيات فلسفية وفنية أصلية “يؤهلهم فهمها لإنشاء أدب فخم، جميل، خالد… يكشف عن عظمة مطامح نفسية هامة وسمو مراميها”.[23] وهذا الأدب الذي دعا إليه، “هو أدب الحياة، أي الأدب الذي يفهم حياتنا ويرافقنا في تطوّرنا ويعبّر عن مثلنا العليا وأمانينا المستخرجة من طبيعة شعبنا ومزاجه وتاريخه وكيانه النفسي ومقومات حياته”.[24]

وقال: إلى مقام الآلهة السورية يجب على الأدباء الواعين أن يحجوا ويسيحوا فيعودوا من سياحاتهم، حاملين إلينا أدباً يجعلنا نكتشف حقيقتنا النفسية ضمن قضايا الحياة الكبرى التي تناولها تفكيرنا من قبل في أساطيرنا، التي لها منزلة في الفكر والشعور الإنسانيين، تسمو على كل ما عرف ويعرف من قضايا الفكر والشعور.[25]

وأضاف: الآن أخاطب، أنا، جميع شعراء سورية قائلاً: تعالوا نرفع لهذه الأمة التي تتخبط في الظلمات مشعالاً فيه نور حقيقتنا وأمل إرادتنا وصحة حياتنا. تعالوا نشيد لأمتنا قصوراً من الحب والحكمة والجمال والأمل بمواد تاريخ أمتنا السورية ومواهبها وفلسفات أساطيرها وتعاليمها المتناولة قضايا الحياة الإنسانية الكبرى.[26]

الفلسفة المدرحيّة وما قدّمته من حافز روحي، فتحت آفاقاً جديدة للفكر وأحدثت تغييراً “في مجرى الحياة ومظاهرها، وفي أغراضها القريبة والأخيرة”[27]، وأطلقت تياراً ثقافياً – معرفياً، فاعلاً في ميادين الأدب، والشعر، والموسيقى، وسائر فروع الفن، ومعبراً عن مكنونات النفس السورية التي كانت مكبوتة ومحجوزة وعن سمو تفكيرها ومقاصدها النبيلة. كما أيقظت هذه الفلسفة وجدان ألوف الأحداث والطلبة وحرّكت عوامل الحياة والارتقاء في فئات كثيرة من الشعب وفي أوساط أهل العلم والأدب والفنون، و”صيّرت العلوم الميتة علوماً حية، فاكتست العظام لحماً ونبضت عروقها بدم الحياة الحار..”[28].

والفلسفة المدرحيّة تتضمن مبادئ مناقبية نجد فيها أبجدية الحياة الجديدة وقيمها السامية.. وهل تسمو الحياة بدون المبادئ السامية؟ لقد تساءل سعاده في سجّلِ مذكراته اليومية قبل تأسيسه للحزب: “ما هي قيمة الحياة بدون مبدأ؟ وما هي الحياة بدون مثل منشود؟”[29] وبعد تأسيسه للحزب وفي معرض شرحه للعقلية الأخلاقية الجديدة يقول: “إن الحياة الإنسانية بلا مبادئ يتمسك بها الإنسان، ‏ويبني بها شخصه ومعنى وجوده، هي باطلة..”[30]، لذلك تسعى الحركة القومية الاجتماعية أن تغرس هذه التعاليم والقيم السامية في النفوس لتنبت حباً عظيماً للأرض وللمجتمع، لأنه بدون الولاء للمجتمع وبدون التفكير بخيره ومصالحه وبدون التعاون الاجتماعي لا ترتقي الحياة الاجتماعية ولا ينعم المجتمع بأكمله بالحياة الراقية الجميلة. إن التعاون الاجتماعي، يقول سعاده، “هو الطريقة الأساسية لحفظ حياة المجتمع وشخصيته وتأهليه للتقدم في مراقي العمران والتمدن”.[31] والحركة القومية الاجتماعية التي قامت على أساس فكرة فلسفية أساسية، يقول زعيم النهضة: “هي الحركة التي استمدت وجودها من الأرض والشعب بكل ملله وطوائفه – وهي الحركة التي سارت بالمحبة للأرض والشعب – للشعب كله بجميع فئاته..”.[32]

وفي بحثه المنشور في الزوبعة عام 1942 بعنوان “العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديمقراطيين عن عقيدة” علَّقَ سعاده على بعض الكتّاب الخنفشاريين الذين أظهروا “سفسطة إنكارية” واعتبروا “أنه ليس عندنا «سوى آراء وأحلام تلمع هنا وهناك»، فيلقون بالدروس علينا بوجوب التشبه «بالأمم الراقية»، التي تُعنى بالأمور الجوهرية، ولا تحفل بالقشور، نظيرنا نحن السوريين”.[33] ويضيف:

“إنّ أمماً كثيرة، قوية، كانت أمامنا أشواطاً ومراحل في التفكير الاجتماعي ــــ الاقتصادي، وكان ذلك في عهد مضى، أما الآن فإن نهضتنا القومية الاجتماعية قد جعلتنا في مقدمة الأمم الثقافية المتمدّنة من هذا القبيل. فنحن لا نفتقر إلى قواعد اجتماعية ــــ اقتصادية من الخارج. بل نحن نقدر أن نساعد غيرنا ونعطي من تفكيرنا”.[34]

ما كان يؤلم سعاده هو الجهل المنتشر في المجتمع والذي لم يقتصر على العامة من الناس بل طال بعض الكتّاب والأدباء الذين فقدوا الثقة بالنفس ولم يهتموا بدراسة ما يجري في شعبنا من تطوّر فكريّ رائع، بل تعوّدوا أن يطلبوا منا أن «نتشبه بالأمم الراقية» وننسج على طرازها. يقول سعاده:

هو الجهل، وموت الروح، وانعدام الطموح والمثل العليا، وفقد الثقة بالنفس والجنس، عند الأدباء المجزرين الذين ولدوا في عصر مظلم ولم ترَ أنفسهم النور قط. ولذلك، لا يرجى منهم أن يروا، ببصائرهم العمياء، الألوان والظلال، والخطوط، والأشياء، والقيم، والطرق، وأشكال الحياة ومعانيها، والمثل العليا، التي اعتنقتها النفوس التي ولدت في النور وسارت في النور.[35]

وما كان يؤلم سعاده أيضاً هو حالة اليأس والخوف المسيطرة على النفوس بحكم الظروف الروحية النفسية السائدة في المجتمع نتيجة فقدان الثقة بالنفس وبمواهب الشعب وإمكانياته والاستسلام للخنوع. هذه الحالة، التي اعتبرها سعاده أكبر نكبة أصيبت بها الأمة، أدّت إلى نشوء “طائفة من المأجورين للإرادات الأجنبية”[36]، ينشرون الخوف و”يقنعون الناس بأن الخوف أفضل طريق للحياة”[37]، و”يغذون الأفكار بسموم فقدان الثقة بمستقبل الأمة والتسليم للأعمال الخارجيّة والحالة الراهنة. فإذا النفسية العامة في الأمة نفسية خوف وجبن وتهيّب وتهرّب وترجرج في المناقب والأخلاق..”[38]، لكن سعاده يؤكد بأن سورية الناهضة بالفلسفة القومية الاجتماعية الجديدة هي غير سورية القديمة “المسترسلة إلى أوهام فاقدي الروح القومية وعديمي الثقة بالنفس”[39]. إن السوريين القوميين الاجتماعيين قد حرّروا أنفسهم، بفضل مبادئ القومية الاجتماعية، من الأوهام التي قعدت بهم عن طلب ما هو جدير بهم. لقد تحوّلوا بمعرفتهم الجديدة إلى مصارعين أحرار، واعين معنى وجودهم وحياتهم ومصالحهم في الحياة وضرورة تحسين هذه الحياة وتجويدها، وعاملين بكل تضحية وتفانٍ لانتصار الفضائل الجميلة والمناقب الراقية والمثل العليا العظيمة لأمتهم. وبفضل النهضة القومية التي أخرجتهم من الظلـمة والجهل والضلال والشك والفوضى الى النـور والمعرفة والهُدى واليقين والنظام، فهم يصارعون بإرادتهم الحرّة ومناقبهم الصافية ويبذلون الجهود والتضحيات ويعطون بسخاء وبطولة لإيقاظ الوجدان المجتمعي وتوليد الوعي القومي الصحيح في مجتمعهم المفكّك والواهن فيتحوّل هذا المجتمع بأسره إلى مجتمع إنساني، موحّد، وقويّ، وحرٌّ، وواعٍ، ومناقبي، مجتمع خلاّق وناهض بأبنائه الأحرار وسائر لتحقيق مقاصده الكبرى في الحياة، مجتمع نموذجيٌ، راقٍ، وقدوة لغيره من المجتمعات الإنسانيّة وقادر أن يكون بعبقريّة أبنائه وإبداعهم معلماً وهادياً للأمم .

فلسفة الغايات الخالدة:

والتفكير الجديد الذي بدأته النهضة القومية الاجتماعية ليس تفكيراً وقتياً يخدم غايات خصوصية أو حالات ظرفية، بل هو تفكير راقٍ يعكس إدراكاً عالياً للقضايا الاجتماعية ــــ الاقتصادية في العالم ويُعنى بالأمور الجوهرية والغايات الخالدة والمرامي السامية من الفكر وهذه المرامي لا نهاية لها. في خطابه في الأول من آذار عام 1949، يقول سعاده: “في سيرنا في طريق النهوض، وفي عملنا بالقواعد الأساسيّة لهذه الحركة، نشعر أنّ الحياة التي نحياها هي حياة لا نهاية لها، لأنها مربوطة بالغايات العظيمة التي هي، كنفوسنا العظيمة: لا نهاية لها!..”[40]. والتفكير الجديد يعنى، أيضاً، بالإبقاء على أفضل القيم والمثل العليا وبتحقيق الارتقاء والبحبوحة والعدل الاجتماعي ــــ الاقتصاديّ. يقول سعاده:

“إنّ تفكيرنا الاجتماعي ــــ الاقتصادي لم يعد من ذلك النوع الصوفيّ الذي يمثّله الأدباء المجزرون، الذين يرون المذاهب والعقائد الاجتماعيّة مجرّد «أزياء وقتية»، مهما تألم من بعضها ملايين الناس.. إنّ تفكيرنا الاجتماعي ــــ الاقتصادي لم يعد على مستوى تلك السفسطة التي بدأ أدباء الجمود والفناء على حشو أدمغة السواد منا بها”.[41]

هذا التطور الفكري الرائع في حياتنا الفكرية وفي تفكيرنا الاجتماعي – الاقتصادي وصفه سعاده بالانقلاب الفكريّ العظيم الذي “لم تشهد أمة من أمم العالم أروع منه ولا أسمى”.[42] وهذا الانقلاب الذي حصل بتخطيط مبدع يعتبر نتاجاً لا بل إبداعاً للأمة السورية متجلّياً بعقل أنطون سعاده وشخصيته الاجتماعية العبقرية التي تمثّلُ يقظة الأمة وحيويتها وتعبِّرُ عن حقيقتها وجوهرها وعن أمانيها ومقاصدها السامية في الحياة وهو القائل بكل وضوح، في ختام كتابه الأخير “الصراع الفكري في الأدب السوري”: “إنّ ما دفعني إلى إعطاء هذا التوجيه هو محبة الحقيقة الأساسية التي وصل إليها تفكيري ودرسي وأوصلني إليها فهمي، الذي أنا مديون به كله لأمتي وحقيقتها النفسية”.[43] وفي خطابه في حفلة الأول من آذار عام 1949 يقول:

“كل ما فينا من خير وطموح وعظمة ليس شيئاً من خصوصيّات الأنانيّات الصغيرة المحدودة، التي لا يمكن أن تبني عظمة أو تتسع لعظمة وطموح، بل هو من صميم العظمة الواسعة، اللامتناهية، المستمرّة التي هي عظمة المجتمع عظمة الأمة السورية التي نحن أبناؤها وموطّدو حقيقتها وعظمتها”.[44]

وهذا الانقلاب الفكري كانت نتيجته ولادة الفلسفة المدرحية التي أتت بنظرة جديدة جامعة للمذاهب الفلسفية الإنسانية المتنافرة، وطامحة، بارتكازها إلى العقل والعلم والمعرفة الهادية والوعي القومي الصحيح، إلى إقامة الحياة المثلى وتحقيق غايات إنسانيّة، لا غيبيّة، وإشادة عالم جديد أفضل وأجود من الموجود.

فلسفة ارتقاء الثقافة

الفلسفات الجزئية المتنافرة والأحادية التفسير (من شيوعيّة وماركسيّة جامحة واشتراكية ونازية وفاشية ورأسمالية خانقة وشخصانية أنانية وفوضوية) تصادمت مع بعضها وحاولت السيطرة على شؤون العالم وثرواته ولم تنتج إلا النِزاعات الدولية والحروب العالمية والإقليمية والإلغائية المُدّمِرة والأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاضطرابات وحوادث العنف والشغب وأدت إلى إفقار الشعوب وإخضاعها في نظام عالميّ طبقيّ وإلى تخبّطها ضمن مجتمعاتها – بين طبقات ساحقة ومُرهِقة وطبقات محرومة ومسحوقة مادياً ونفسياً – ومعاناتها من مشاكل الفقر والبؤس والبطالة والمجاعة والقمع والاستغلال واللامساواة وانتشار الإرهاب المنظّم والجرائم المنظمة والمخدرات والأمراض والأوبئة والتلوّث البيئي والأسلحة النووية والبيولوجيّة والجرثوميّة الفتّاكة وبروز مشكلات الأقليات الأثنية والطائفية المعقّدة والمتقوقعة وغيرها من المشاكل والأزمات العالمية والمجتمعية التي لا يمكن تعدادها.. وإزاء فشل هذه الفلسفات الخصوصية المتنافرة، أو كما يسمّيها سعاده: “الفلسفات الأنانية التي تحيا بالتخريب”[45]، وفشل أنظمتها وديمقراطياتها بحلِّ التناقضات الداخلية – النعرات العنصرية والعصبيات الطائفية والطبقية والإقطاعية والعشائرية والعائلية – وكل الأضاليل الاجتماعية ــــ الاقتصادية التي نشأت في المجتمعات.. وإزاء فشلها بحلِّ مشكلة الاستعمار الاستيطاني وحقوق الشعوب في سيادتها على نفسها.. برز سعاده بفكره الإبداعي المستقل معلناً رفضه للصراعات المهلكة ومؤكداً انها صراعات مميتة ومؤدّية إلى الهلاك و”إنّ المجتمع السوري لا يمكنه أن ينتظر وأن يقف جامداً تجاه مشاكل المجتمع والإنسانية..”[46] وبالتالي فإنه لا إنقاذ من هذه الصراعات إلا باعتماد مبدأ التفاعل المتجانس المحيي القائم على الانفتاح على ثقافات العالم وعلى قبول واحترام وجود المجتمعات وحرياتها وخصوصياتها: “لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما العالم يكاد يهلك في صراع مميت بين مبدأ الترجمة المادية للحياة البشرية ومبدأ الترجمة الروحية للأعمال الإنسانية”.[47] لذا فإنّ الحركة السورية القومية “ترفض الإقرار باتخاذ قاعدة الصراع بين المبدأ المادي والمبدأ الروحي أساساً للحياة والأعمال الإنسانية. ولا تقف الحركة السورية القومية عند هذا الحد، بل هي تعلن للعالم مبدأ الأساس المادي ــــ الروحي للحياة الإنسانية، ووجوب تحويل الصراع المميت إلى تفاعل متجانس يحيــي ويعمر، ويرفع الثقافة ويُسيّر الحياة نحو أرفع مستوى”.[48]

وبتفكيره الجديد ونظرته الشاملة إلى الحياة والكون والفن، يؤكد سعاده على دور التفكير السوري الإبداعي الحضاري بترقية الثقافة وبتسيير الحياة نحو أرفع مستوى معلناً: “إنّ الحركة السورية القومية لم تأتِ سورية فقط بالمبادئ المحيية، بل أتت العالم بالقاعدة التي يمكن عليها استمرار العمران وارتقاء الثقافة”.[49] وهذه القاعدة تقدّمها الفلسفة المدرحية الجديدة “القادرة على التأسيس أو البناء لحياة أسعد حالاً وأبقى مآلاً”.[50] وهذه القاعدة ترتكز على العلم والمعرفة الصحيحة وعلى وجدان الإنسان – المجتمع وعقله الواعي، المتحرر، الذي يتيح له أن يمزقَ الحجب ويكتشفَ نواميس الحياة الاجتماعية وأن يخرجَ من ظلمات التخلف والجهل والانحطاط ومن عالم الأوهام والخوارق وفوضى النظريات الغامضة والمفاهيم المبلبلة في تعيين الحقائق إلى حالة الوضوح والجلاء واليقين، حالة التفكير الصحيح والوصول إلى معرفة الحقيقة الإنسانيّة التي تؤدي إلى وضع الحلول الناجعة لمشكلات المجتمع الإنساني وخطط النهوض الراقية التي تطلق المواهب الخيّرة والعقول النيّرة التي تفعل في الوجود ثقافة وإنتاجاً وخيراً وتعميراً ورقياً والتي تنتج المعارف الجديدة في شتى الميادين فتساهم في إغناء فكر الإنسانية وتدعو الشعوب لنبذ التخاصم والتصادم والاقتتال ولتجنب الحروب والكوارث والويلات واعتماد ثقافة التفاعل الحضاري: تفاعل الثقافات والمعارف والتجارب والخبرات من أجل إشادة عالم حضاري جديد يقوم على ثقافة الخير والحق والعدل والتعاون والتواصل والتفاهم والسلام بين الأمم واحترام حرياتها وسيادتها.

فلسفة التفاعل:

إن مستقبل الإنسانيّة ورقيّها مرهون بالفلسفة المدرحية المُنعِشة وبما تقدمه من نظرات جديدة في الاجتماع والسياسة والاقتصاد والفن وفي غيرها من المجالات لأنها فلسفة خيِّرة ومُنعشة وصالحة لتقدم الحياة الإنسانية وعمرانِهَا.. يقول سعاده: “إن هذا العالم يحتاج اليوم إلى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضلالها. وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاج إليها العالم – فلسفة التفاعل الموحد الجامع القوى الإنسانيّة – هي الفلسفة التي تقدمها نهضتكم”.[51]  ويضيف:

إني أقول إنّ النظام الجديد للعالم لا يمكن أن يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادة ـ بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي ـ بين نفي الروح المادة ونفي المادة الروح، بل على قاعدة التفاعل الروحي –  المادي تفاعلاً متجانساً، على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادة، على أساس مادي ـــ روحي يجمع ناحيتي الحياة الإنسانية. بهذا المبدأ ـ بهذه الفلسفة ـ فلسفة القومية الاجتماعية ـ تتقدم النهضة السورية القومية الاجتماعية إلى العالم واثقة أنه يجد فيها الحل الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المعقدة، والأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد تطمئن إليه الجماعات الإنسانية كلها وترى فيه إمكانيات الاستقرار السلمي واطّراد الارتقاء في سلّم الحياة الجيدة.[52]

وهذه الفلسفة، التي نجد فيها تعبيراً عن حاجات إنسانية عامة ورؤى لقضايا اجتماعية واقتصادية، لا تقوم على التفسير الواحدي، بل على مبدأ جامع هو مبدأ التفاعل الماديّ – الروحيّ الطبيعيّ في حياة الشعوب.. فالجماعة المتفاعلة مع بيئتها الجغرافية في وحدة الحياة والمصالح تُنتج ثقافتها العمرانيّة وتتطّور حياتها وفاقاً لتطور التفاعل بينها وبين البيئة الطبيعية بدافع حاجاتها في الحياة.. ويقول سعاده في كتابه “نشوء الأمم”: “لا يمكننا أن ندرس الثقافة ومراتبها ونتابع تطوّرها إلا في سياق التفاعل، أي في تتبع أعمال الإنسان على مسرح الطبيعة”.[53] فالبيئة الطبيعية هي هامة لحياة الإنسان وهي مسرح أعماله ونشاطه وسعيه لبلوغ حاجاته وبقاء ذريته وهي التي تقدم له الموارد والإمكانيات والمواد الخام لاستغلالها وإرضاء شعوره بالحاجة. فهو يؤثر في البيئة ويكيّفها لتوافق حاجاته الحيويّة ويتأثر بها في الوقت ذاته ويكيّف حاجاته وفقاً لتكوينها الطبيعي وخصائصها.

والجماعة تكتسب شخصيتها من نوعية مزيجها السلالي ومن نوعية البيئة التي تفاعلت ضمنها العناصر التاريخية المكّونة لهذا المزيج. فالبيئة – الأرض بخصائصها (حدودها وطبوغرافيّتها)، وظروفها الطبيعية هي قوام شخصية الجماعة تُضاف إليها مؤهلات الجماعة واستعدادها للاستفادة من طبيعة الأرض وإمكانياتها وشعورها بارتباطها الوثيق بالأرض التي تملكها..

وشخصية الجماعة الخاصة، المكتسبة من البيئة نتيجة التفاعل الطبيعي القائم على التعاون والاشتراك الوثيق في أسباب الحياة لفترة طويلة من الزمن، تتجلى بوحدة الجماعة النفسية، بثقافتها وبنظرتها الواحدة إلى الحياة والكون والفن. إن الاشتراك في الحياة الواحدة يولّد نضوج الجماعة ووعيها لشخصيتها ومميزاتها ولوجودها المجتمعيّ، وهو ما يُعرف بالوجدان الاجتماعيّ أو القوميّ، أي الشعور بوحدة الحياة والوجود ووحدة المصير وضرورة الاتحاد لتأمين المصالح المشتركة في حياة الجماعة، أو المجتمع، ويجعل وجود هذه الجماعة وجوداً اجتماعياً متماسكاً.

إن مبدأ التفاعل الجامع هو المحرّك الذي يقود تطور البشرية وارتقاءها في ثقافاتها المادية والثقافية. الثقافة النفسية بما تشمله من ظواهر الحياة العقلية تقوم على الأساس المادي، أي على الثقافة المادية وتجاربها. فالحياة العقلية، يقول سعاده، “لا يمكن أن تأخذ مجراها إلا حيث تستتبّ لها الأسباب والمقوّمات. ولذلك نجد التّطوّر الثّقافيّ بجميع مظاهره يرتقي ويسبق غيره حيث أسباب الحياة أوفر وأرقى ممّا في سواه..”.[54] إن الثورة السورية الثقافية التي تمثلت بطورها الأول: ثقافة التجارة التي قام بها الكنعانيّون (الفينيقيّون)، وهي عامل اقتصادي – عقلي ساهم في تفاعل الثقافات واكتشافها وفي نشوء علاقات تجارية وصناعات عديدة، ومن ثم باستنباط الأحرف الهجائيّة، التي قادت “العالم في طريق المعرفة والعلم وتفوّق القوى العقليّة على صعوبات الطّبيعة”[55]، هذه الثورة السوريّة وضعت أساساً متيناً للثقافة الإنسانيّة وفتحت طريقاً جديداً للارتقاء “انتهى إلى عصر الآلة الصّناعيّة الّذي هو عصر التّمدن الحديث”.[56] وكما يقول سعاده:

منذ الفترة الّتي ظهرت فيها الأبجديّة إلى جانب التّجارة واتّحد هذان العاملان في التّفاعل الاقتصاديّ الاجتماعيّ، اتّجه الاجتماع البشريّ نحو الحياة النّفسّية (العقليّة) وسيطرة العقل على كنوز الطّبيعة ومواردها. وفي هذه الحياة الجديدة تساهم الأمم المتمدّنة. وبوجود هذه الحياة ووسائلها يمكن الآن ملايين البشر أن يفكّروا في قضايا الإنسانيّة الحيويّة والاجتماعيّة مستقلّين ومشتركين وأن يشتركوا في ثقافة إنسانيّة عامّة يدهش المفكّر لألوانها المتعدّدة تعدد القوميّات، وللخصائص النّفسّية الّتي تنكشف عنها في أمم عددها عدد البيئات.[57]

 

ولعلَّ الدولة، كمظهر اجتماعي ثقافي، أهم المظاهر الثقافية وأجدرها تمثيلاً للحياة العقلية.[58] وهي تقوم على حياة المتحد وإرادته. كذلك، فإنَّ “الدّين ظاهرة نفسية عظيمة الخطورة من ظواهر الاجتماع البشريّ. إنّه ظاهرة قد نشأت وارتقت بعامل تطوّر الإنسانيّة نحو سيطرة النّفس وحاجاتها في شؤون الحياة. وهو قد تطوّر مع تطوّر البشريّة ولن ينفكّ يتطوّر بتطوّرها”.[59]

إذاً، بالمبدأ الجامع الوحدويّ، القائم على قاعدة التفاعل الطبيعي، الإيجابي، بين ناحيتي الحياة المجتمعية الإنسانية: الأساس المادي (أي العوامل المادية التي تشمل العناصر البشرية والمادة الطبيعية وهي الإقليم بجغرافيّته ومزاياه) والبناء النفسي (العوامل الروحيّة التي تشمل القيم والشرائع والقوانين والتقاليد الاجتماعية واللغة والأدب والتربية) المنتج للعمران والحضارة بمظاهرها المادية والروحية، بهذه الفلسفة الجديدة – “فلسفة القومية الاجتماعية – تتقدم النهضة السورية القومية الاجتماعية إلى العالم واثقة أنه يجد فيها الحل الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المعقّدة، والأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد تطمئن إليه الجماعات الإنسانية كلها وترى فيه إمكانيات الاستقرار السلمي واطّراد الارتقاء في سلّم الحياة الجيدة”[60].

فلسفة تعبيريّة      

الفلسفة المدرحيّة هي فلسفة تعبيريّة بمعنى أنها تُعبِّرُ عن آمال المجتمع السوري النبيلة، عن إرادة الأمة ونفسيتها ومثلها العليا وعن آمالها ومطامحها وغاياتها السامية في تحقيق وجود سامٍ وعالم إنساني أجمل. وهناك أمثلة عديدة في كتابات سعاده تؤكد على صفة التعبيرية.. أولاً، في شرحه لمبدئه القومي يقول سعاده: “إن في المبدأ السوري القومي الاجتماعي إنقاذاً لا يقتصر على سورية بل يتناول وضعية المجتمع الإنساني كله، ونهضتنا لا تعبِّرُ عن حاجاتنا نحن فقط بل عن حاجات إنسانيّة عامة”.[61]

ثانياً، الزعيم هو المعبِّر الأوفى والأسمى عن حقيقة الأمة وأمانيها برسالته الجديدة وبما جاء به من مبادئ سامية دعانا إلى اعتناقها “باعتبارها الوحيدة المعبّرة عن شخصيتنا القومية وحقوقنا”.[62] ففي النشرة الرسمية الصادرة بتاريخ 15/11/1947 يقول سعاده: “إنّ الزعيم قد وضع رسالته أمانة في قلوب القوميين الاجتماعيين وعقولهم. وهي الرسالة التي عبّر بها ليس عن نظرته الشخصية الفردية إلى العالم وشؤونه، بل عن نظرة الأمة السورية إلى الحياة والكون والفن، ولذلك أصبحت هذه عقيدة القوميين الاجتماعيين وإيمانهم لأنهم وجدوا فيها التعبير عن نفسية أمتهم وخططها في التاريخ”.[63] وفي الكلمة ذاتها يُضيف: “وقد عاد الزعيم اليوم ليتابع أداء رسالته العظمى المعبّرة عن فكر الأمة السورية وإرادتها ومُثُلها العليا – عن نظرتها إلى الحياة والكون والفن”.[64]

ثالثاً، في كلامه عن المارشال الفرنسي بتان (Marshal Henri-Philippe Pétain ) الذي بذل جهده ليكون راسماً لدور جديد وأراد أن يكون مسيطراً، يقول سعاده: “ولكن السيطرة العصرية تقتضي مزايا غير الاستبداد الشخصي. إنها تقتضي التعبير عن أماني أمة بإيجاد فكرة فلسفية أساسية تشمل الحاجات والمرامي ومثلاً عليا جديدة كفكرة الحركة السورية القومية في سورية. فبدون هذه الفكرة الفلسفية الأساسية لا يمكن توليد حركة”.[65]

رابعاً، في خطاب ألقاه في سانتياغو عام 1940، تحدّث سعاده عن التفكير السائد في العالم كله والذي لم يعد تفكيراً صالحاً لتحقيق خير الأمم وفلاحها لأنه “دخل في طور الشيخوخة”[66]، وقال إن “البشرية بأسرها تنتظر تفكيراً جديداً تنال به سعادتها وراحتها وحريتها، وهذه البضاعة الجديدة سيخرج أكثرها وأفضلها من سورية بلاد العبقرية والنبوغ”.[67] فما هو هذا التفكير الجديد؟ باختصار، هو طريقة جديدة بالتفكير، تقدّمها الفلسفة المدرحيّة بنظراتها الجديدة في الاجتماع بكل أشكاله النفسية والاقتصادية والسياسية، وهي بمثابة انقلاب فكري جديد في “تفهُّم إرادة الشعب” و”إصلاح الخلل الاجتماعي الذي يريد التفكير السوري الحديث أن يصلحه”.[68] ويوضح سعاده أن “هذا الانقلاب الجديد هو ما تجيء به الفلسفة السورية القومية القائلة بالعودة إلى الأساس والتعويل على «التعبير عن الإرادة العامة» بدلاً من «تمثيل الإرادة العامة» الذي هو شكل ظاهري جامد”.[69] بكلام آخر، ان الانقلاب الجديد هو انقلاب على مبدأ التمثيل، الذي يعني شيئاً جامداً، واستبداله بقاعدة التعبير الصحيح، الذي يعني الإنشاء والتجديد، أي الخلق والإبداع والتعبير الصالح عن الإرادة العامة. لذلك يقول سعاده: “فالتفكير السوري القومي الجديد هو إيجاد طريقة جديدة اسمها «التعبير عن إرادة الشعب»، وهذه الطريقة هي الاكتشاف السوري الجديد [الذي تقدّمه المدرحيّة] الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد”.[70]

فلسفة وجوديّة صراعيّة

الفلسفة المدرحيّةَ لا تعنى بالماورائيّاتِ ولا تقدِّمُ نظرياتٍ مجرّدةً وتصوّراتٍ سفسطائية وتكهنات غيبية وخياليّةً أو تعليلات افتراضيّةً كتلك التي تقدمها الفلسفات الدينيّة، التي تهتمّ بتشريف الحياة وتحسين الخليقة وبمصير الإنسان وخلود نفسه بعد الموت، بلْ هي فلسفةٌ وجوديّةٌ صراعيّةٌ عمليّةٌ تصّبُ اهتمامَهَا على الوجودِ وقضاياهُ وتسعى لاكتشاف هذا الوجود والإحاطة به وتحسينه وصولاً لتحقيقِ الحياةِ الحرّةِ الجميلةِ، حياةِ العزِّ والخيرِ والشرفِ والتقدم، والتي في تحقيقها واستمرار تقدمها نرتقي إلى قمم أعلى وأرقى نتمكّن من خلالها النظر إلى الكون الماثل أمامنا.

في شرحه للمبدأ الأساسي السابع، يشرح سعاده توجه فلسفته، فيقول:

إننا لسنا من الذين يصرفون نظرهم عن شؤون الوجود إلى ما وراء الوجود. لسنا من الذين ينصرفون إلى ما وراء الوجود، بل من الذين يرمون بطبيعة وجودهم إلى تحقيق وجود سامٍ جميل في هذه الحياة وإلى استمرار هذه الحياة سامية جميلة.[71]

وفي شرحه للمنحى الصراعي الذي تتميّز به الحركة القومية الاجتماعية وقدرتها على مواجهة المتاعب والصعاب وعدم استسلامها للواقع والهروب من الحياة، يقول سعاده:

نحن لسنا مستسلمين. نرى في الحياة متاعب ونرى أننا قادرون على حمل المتاعب والانتصار عليها.

نحن نحمل المتاعب، لا ننوء ولا نرزح بها، ننتصر عليها ونخرج إلى مرح وانشراح في الحياة إلى تحقيق للوجود، الذي لا يمكن أن يكون عبثاً أو وهماً…

نحن لا نطلب التعويض. نطلب الحقيقة بذاتها وهذه الحقيقة هي حقيقة انتصار النفس السورية على كل ما يعترض سبيلها في تحقيق نفسها، تحقيق مثلها العليا، تحقيق مقاصدها الكبرى[72].

 

ولقد احتقر سعاده الذينَ تخلّوْا عن طريقِ الحرّيّةِ والصراعِ واختارُوْا طريقَ العبوديّةِ والعيشَ الذليلَ وقالَ: “ويلٌ للمستسلمينَ الذينَ يرفضونَ الصراعَ فيرفضونَ الحريةَ وينالونَ العبوديةَ التي يستحقونَ”.[73]

وسعاده رفض الاتكاليّةَ والقدريّةَ والتخاذلَ والاستسلامَ وقالَ باتجاه جديد في التفكير يحيدُ عن الحدس والتخمين ويعتمد على موهبةِ العقلِ المُبدعِ والشرعِ الأعلى والأساسيِّ، العقلِ الإرادي الفاعل في الوجود الذي يتأمّلُ ويُدركُ ويُميّزُ الخيرَ عنْ الشرِّ ويخطّطُ للمستقبلِ ويعيّنُ الأهدافَ ولا يرضَى عن الصراعِ في سبيلِ الحياةِ الحرّةِ الكريمةِ بديلاً. هذا التفكير الجديد لا يعكس اتجاهاً نظرياً بل تفكيراً عملياً، أخلاقياً، ساعياً إلى تغيير الواقع وتحقيق وجود أفضل، تفكيراً يعكس نفسيةً صراعيّةً جديدةً محبَّةً للعمل والإنتاج وتواقةٌ إلى الحرية ولا تقبل بغير العز والانتصار موقعاً لها في الحياة. يقول سعاده:

 

الحزب القومي الاجتماعي هو كما قلت تعبير عن إرادة حياة لا يمكن أن يصدّها شيء في الوجود، وهو في جهاده وعمله يعلن حقيقة سامية في هذا الوجود هي الحياة؟ وما هي الحياة؟ الحياة عزّ وشرف! الحياة ليست سيارات، الحياة ليست مقتنيات!! الحياة الإنسانية هي قيمة عظيمة في نفس الإنسان!! هي تعبير عن إنسانيّته السامية العظمى! وما هو الإنسان إذا كان مجرّداً من قوة الحياة وجمال الحياة ذليلاً مستعبداً يُساق بالعصى فاقداً الإرادة؟ ما هو المجتمع الإنساني إذا كان مجرد قطيع من البشر كأنه قطيع من الحيوانات مجرّد من ذاتيته وحقيقته ووعيه وإرادته الفاعلة.[74]

 

والحق نقول، إن هذه النفسيةُ الصراعيةُ الواثقةُ من نفسها والمعتمدة على ذاتها لتحقيق أهدافها هي عينها النفسية السورية الحقيقية التي عبَّرَ عنها سعاده بفلسفته الجديدة وهي نفسية “مسيطرة طالبة التفوق وإخضاع المادة لأغراضها وذاتيتها”[75]، نفسية “أمةٍ ممتازة بمواهبها، متفوّقة بمقدرتها، وغنية بخصائصها ــ أمة لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس”.[76]

وهذه الفلسفة الجديدة المعبِّرة عن فاعلية الأمة في الوجود، وعن القوة الكامنة في ذاتها التي “تنمو وتتحرّك وتفعل وتنشئ”: هي “قوة السواعد الحرة، قوة القلوب، قوة الشعور، قوة الإحساس المرهف، قوة الأدمغة، قوة التفكير والتوليد والإبداع والتصور..”، هذه الفلسفة تُحتِّمُ علينا، نحن السوريين، أن ننتصر على الخمول والكسل والاتكالية ونعود إلى الإيمان بذاتنا، بنفسيتنا الجميلة وخصائصها، وبقدرتنا على الخلق والإبداع. يقول سعاده: “إننا نعتقد أنّ الدماغ السوري ليس أقلّ مقدرة وذكاء من أي دماغ في العالم. وهذا الدماغ السوري هو نفسه يعرف ويقدر أن يخطط للمجتمع السوري الخطط والقواعد التي يكون بها صلاحه وعزه”.[77]

إنَّ سعاده الفيلسوفَ لم يكن غيبياً مهتماً في أمور الماورائيات ومستفسراً عن منشأ الإنسان ومصيره بعد الموت، بل كان مهتماً بقضايا الوجود الإنساني وتحسينه ورافضاً التعرّض للدين وعقائده التي تقوم على أغراض بحتة وهي إحلال الاعتقاد بالله الواحد وعمل الخير وممارسة القيم الدينية من أجل راحة النفوس وخلودها بعد الموت في الحياة الأبدية. والوجود، بالنسبة لسعاده لا يمكن افتراضه او تصوره من دون المعرفة الإنسانية. فهو يبقى فاقد القيمة ولا يعني شيئاً لحياة الإنسان ولأغراضه. “المعرفة هي التي تعطي الوجود قيمة”[78] وتحوّله إلى حقيقة. فلكي يكون حقيقة، يجب أن يصير معرفة بكل تفاصيله وفروعه. وبكون الوجود هو أمر واقع، فسعاده لم يحاول إثبات وجوده، بل انطلق منه كواقع وحاول فهم حقائقه وأحواله ومشاكله من أجل تحسينه. وفي شروحاته عن القيم الإنسانيّة العليا التي تشكِّلُ موضوعاً من موضوعات الفلسفة المدرحيّة يعتبر سعاده أن تحقيق هذه القيم وكل أماني النفسية السورية في بناء عالم أجمل لا يتم في عالم الغيب أو عالم الخيال بل في عالم الوجود لأن هذه القيم هي قيم اجتماعية متأصلة في الوجود الإنساني المجتمعي، و”لا يمكن أن يكون لها وجود وفعل إلا في المجتمع فمتجه القيم كلها هو المجتمع – هو مصدرها وهو غايتها”[79]، فهي تنمو بنموّ المجتمع وتسمو بارتقائه النفسي – الثقافي. وفي شرحه عن الحق، كقيمة إنسانية، يقول: “الحق انتصار على الباطل في معركة إنسانية وليس في معركة غيبية أو إلهية تجري وراء هذا العالم ولا يشترك فيها الإنسان – المجتمع الإنساني!”[80]. سعاده، إذاً، بكل ما قاله، لم يأتِنَا بالخوارقِ والمُعجزاتِ ولم يأتِنَا بتكهنات غيبية وبتعاليمَ فيها أباطيلُ ومبالغاتٌ، بل أتانَا فيلسوفاً مخططاً، ومعلِّماً هادياً، ومصلحاً حكيماً، وعالماً اجتماعياً كاشفاً عن حقيقة وجودنا القومي ومؤمنًا بالحقائقِ الراهنةِ التي هي نحنُ، ومؤسساً لنهوضنا القوميّ ومضيئاً طريق الحياة الراقية، الجميلة، لأمتنا ولعالمها العربي وللإنسانية كلها. جاءَنَا بالفلسفة القوميّةِ الاجتماعيةِ المناقبيّةِ، القائلة بالعقل الإرادي الواعي – عقل الإنسان – المجتمع، الحرّ – و”بحقيقة إنسانيّة، كليّة، أساسية هي الحقيقة الاجتماعية: الجماعة، المجتمع المتحد”.[81] ودعَانَا لنشقَّ طريقَ الحرّيّةِ والحياةِ لأمَّتِنّا العظيمةِ الجديرةِ بالخلودِ والمجدِ، وللإيمانِ الُمطلقِ بنفوسنا العظيمة، التي تختزن أجمل القيم، و”بحقيقتِنا الجميلةِ الخيّرة القوية والمحبة”[82]، مؤكداً لنا أنَّ “في النفسِ السوريّةِ كل علم وكل فن وكل فلسفة في العالم”.[83]

فلسفة غائيّة

والمدرحية هي فلسفة هادفة ملتزمة بقضايا الحياة والأمة وغايتها إنقاذ حياتِنَا القوميّةِ وحياة الإنسانية جمعاء لأنها تسعى:

أولاً، لإصلاح المجتمع السوري المفكك والواهن والغارق في مستنقعات التخلف والتعصب والتقوقع والانعزال بإحداث نهضة مجتمعية خلاّقة تجعل من هذا المجتمع مجتمعاً قومياً موحداً وراقياً له نفسية جديدة وهوية واضحة وقضية قومية مستقلة؛ مجتمعاً يتساوى أبناؤه في ملكيتهم للوطن وثرواته وينصهرون في وحدة قومية جامعة نتيجة اشتراكهم في وحدة الحياة والمصالح والمصير. وهذه النهضة الخلاّقة، الساعية لوحدة قومية تثبت فيها الأمة في معترك الحياة والتفوق، تعتمد نظاماً اقتصادياً – اجتماعياً جديداً أساسه الحق والعدل، نظاماً يزيل معوقات التفاعل الاجتماعي ويحافظ على وحدة المجتمع وسلامته وحقوقه ويقوّي مناعته ويحصِّنها بعوامل الانسجام والالتحام و”الاتحاد المتين والتعاون القومي الصحيح” ويسير به في طريق النمو والإنتاج والتقدم ملبياً حاجاته ومصالحه ومحققاً مطامحه في الوصول إلى الحياة الحرة، الجميلة. لذلك يقول سعاده: “إنّ في سورية اليوم نهضة عظيمة تعيد إلى الأمة حيويتها لتعود إلى الإنتاج والعطاء. كما كانت تنتج وتعطي في الماضي”.[84] وباختصار، إن إصلاح المجتمع السوري والنهوض به لا يتمان إلا، كما يقول سعاده، “بالاتصال بنظرة إلى الحياة والكون والفن جديدة تجسّم لنا مثلنا العليا وتسمو بها وتصوّر لنا أمانينا في فكرة فلسفية شاملة تتناول مجتمعنا كله وقضاياه الكبرى المادية ــــ الروحية من اجتماعية واقتصادية ونفسية وسياسية وفنية”.[85]

وثانياً، “لإعادةِ النبوغِ السوريِّ إلى عملِهِ في إصلاحِ المجتمعِ الإنسانيِّ وترقيته”[86] وإنقاذه منْ تخبُّطِهِ ومشاكله وحروبه المدمِّرة وفي الوصول إلى حياة أجود في عالم إنساني أجمل تسوده أجمل وأسمى القيم الإنسانية والأخلاقية العليا. يقول سعاده:

هوذا صراع عنيف هائل يستولي اليوم على العالم كله تقريباً، شاطراً إياه إلى شطرين لكل شطر مصالحه العميقة في هذا الصراع ولكل جبهة من المصالح نظريات ومبادئ تتستر وراءها وتعلن أنها تحارب من أجلها. إننا نشهد الآن صراعاً عنيفاً في حرب عالمية هائلة لم يسبق لها نظير بين نظرية الشيوعية أو الاشتراكية القائمة على الأساس الماركسي الذي يفسّر الحياة، ويريد إقامة نظام جديد في العالم كله، بالمبادئ المادية، ونظرية الفاشستيين والاشتراكيين القوميين القائمة على الأساس المزينياني والنيشوي الذي يفسر الحياة ويريد إقامة نظام جديد في العالم كله بالمبادئ الروحية. إنّ سورية لا تقف تجاه هذا الصراع الهائل واجمة واجفة. إنّ النهضة السورية القوميّة الاجتماعية تعلن أن ليس بالمبدأ المادي وحده يُفَسَّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً، ويُشاد نظام عام ثابت في العالم، وأنه ليس بالمبدأ الروحيّ وحده يحدث ذلك.

والفلسفة المدرحيّة بما تقدّمه من نظراتً حضارية جديدة يمكن اعتبارها فلسفة الحياة الجديدة الفاضلة والمصارعة في سبيل الأفضل والأسمى والأجمل لأنها تطمح بترقية حياة السوريين وبتنزيه حياة البشرية وتطهيرها من عيوبها وآفاتها وإنقاذها من ويلاتها وجموحها وأعدائها والارتقاء بها لتصبح هذه الحياة كريمة وفاضلة ونامية وخالية من مشاكل الفقر والجوع والظلم والاستبداد والعنصرية والكراهية والحروب البشعة ومليئة بالجمال والخير والبحبوحة والعدل والحرية والسلام.. حياةٌ جميلةٌ سامية يسعدُ فيها الإنسان ويحيا بعز وهناء وكرامة مندفعاً بقيم مجتمعه العليا ليُجسِّدَ إنسانيته الخيِّرة ويحقق ذاته وإمكانياته وليفجِّرَ عبقريته في مواجهة معوقات الحياة وفي تحقيق الإنجازات الإبداعيّة والبطولات المعرفية والانتصارات العلمية على طريق التقدم والارتقاء. لذلك أوضح سعاده “أن الغرض من إقامة نظام جديد لحياتنا هو لجعل الحياة أرقى وأفضل وأجمل”[87]، “فالحياة وجمالها وخيرها وحسنها هو الغاية الأخيرة” [88] التي نسعى إليها.

هذه الرؤية الكامنة في الفلسفة المدرحيّة والتّواقة لحياة راقية ولعالم إنساني جديد فيه كل أسباب التقدم والعدل والحرية والخير والجمال تعكسُ سمو النفسية السورية الجميلة ومثلها العليا وقدرتها على الإبداع الفكري ومواجهة قوى الشر والباطل والظلم، وهذا ما أكده سعاده في كلمة له في القوميين الاجتماعيين، إذ قال: “إنّ فينا جوهر الأمة، وجوهر الأمة هو الخلق والإبداع والتفوق”.[89] إن فلسفة النهوض القومي، المدرحية، ستعود بسورية الناهضة إلى أصالتها وجوهرها، إلى دورها الطبيعي الحضاري، أمة ثقافية، خلّاقة، ومعطاء، تتفاعل مع الثقافات الإنسانيّة وتبني معها صروح الحضارة بمواهب أبنائها وتفوقهم وبما حصلوا عليه من علوم ومعارف وبما أنجزوه من اكتشافات وإبداعات.. أمة مشِّعة بفكرها، متألقة بقيمها وفضائلها، وشاعرة بمسؤولياتها الإنسانيّة.. أمة تدافع عن الحق والعدل والحرية وتهدي الأمم المسلوبة إرادتها والمغلوب على أمرها من قبل قوى الشر والظلم والاستغلال التي ألغت إرادة الشعوب ومواهبها وحوّلتها إلى شعوب مظلومة ومقهورة تعاني من أنظمة القهر والاستبداد والفساد والإذلال.. فلسورية دور بطولي وحضاري وهو ان تكون معلّمة وهادية للأمم تحمل إليها القيم السامية والمناقب الجديدة ورسالة التوعية والإشعاع الفكري والروحي، وتقودها على طريق الصراع والتحرر والتقدم والسلام.. وكما أكد سعاده في محاضرة له ألقاها في جمعية العروة الوثقى سنة 1932 حيث قال: “إن في الحياة السورية مثالاً أعلى هو العمل للخير العام في ظل السلام والحرية”.[90]

الأساس العلميّ للمدرحيّة:

فلسفةُ المدرحية، كما أشرنا أعلاه، تشرح الارتقاء الإنساني الحاصل نتيجة تفاعلِ العوامل المادية -الروحية في مجرى الزمن داخل القطر الواحد أي ضمن البيئة الجغرافية – الطبيعية. وقد وضع سعاده كتابه العلمي: “نشوء الأمم” ليشرح مسار تطور الاجتماع البشري القديم قدم الإنسانية مبتدئاً من الاجتماع الأوليّ الوحشيّ، القائم على رابطة الدّم، ومنتهياً بالاجتماع الراقي – اجتماع الشعوب التي أخذت بأسباب الحضارة وأنشأت الثقافة.

ويمكن اعتبار “نشوء الأمم”، أساساً علمياً متيناً لعلم اجتماع الأمة، أو علم الاجتماع القومي، لأنه، كما يشير سعاده، كتاب “جامع مستوفٍ الوجهة العامّة من نشوء الأمم بجميع مظاهرها وعواملها الأساسيّة”.[91] وفي مقدمة الكتاب، يؤكد سعاده على المنحى أو الأساس العلمي للكتاب، إذ يقول: “ولما كانت حاجة النهضة القومية إلى هذا الأساس العلمي ماسّةً رأيت أن أدفع المخطوطة الوحيدة إلى المطبعة وهي في حالتها الأصليّة، كما خرجت من السّجن”.[92] ويضيف: “إنّ نشوء الأمم كتاب اجتماعيّ علميّ بحت تجنّبت فيه التّأويلات والاستنتاجات النّظريّة وسائر فروع الفلسفة، ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.”[93] من هذا المنطلق، يمكن فهم كتاب “نشوء الأمم” على أنه شرح علمي وافٍ لكيفية نشوء الأمة ولتعريفها ومحلها في سياق التطور الإنساني. وفي هذا الشرح الضروري لضبط مفاهيم الأمة المشوّشة، والمصطبغة بمدلولات دينية وعنصرية، ولإيضاحها وتحديدها تحديداً واضحاً بالمعنى الاجتماعي العلمي العصري، استند سعاده على أحدث الحقائق الفنيّة والعلمية، حقائق الحياة والاجتماع، التي توصل إليها علماء الاجتماع والإنتروبولوجيا والإثنولوجيا والجغرافيا البشرية والبيولوجيا والجيولوجيا والكيمياء في زمانه، والّتي تنير داخليّةً المظاهر الاجتماعيّة.[94] كما اعتمد في بحثه مناهج علمية وصولاً إلى الحقائق التي توصل إليها. ومن هذه المناهج:

  • منهج التسلسل التحليليّ: هذا المنهج “يقوم على تقسيم أو تجزئة الظواهر أو المشكلات البحثية إلى العناصر الأولية التي تُكَوِّنها؛ لتسهيل عملية الدراسة، وبلوغ الأسباب التي أدَّت إلى نُشوئها. وفي تعقبه للظواهر منذ نشأتها، يحاول هذا المنهج تحليل الوقائع الماضية وتفسيرها من أجل الوقوف على عوامل تغيّر الظواهر وتطورها من حال إلى حال وصولاً إلى صورتها الحالية. وهذا ما فعله سعاده في “نشوء الأمم”، إذ اعتمد في بحثه منهجاً تحليلياً تاريخياً، استردادياً، متسلسلاً، وواضحاً، لظاهرة الاجتماع الإنساني وتطوره وظروفه وحقائقه، عائداً إلى البدايات حيت كانت الأرض وليس عليها حياة. وتناول بالتحليل ايضاً ظاهرة نشوء الدولة، كمظهر سياسي من مظاهر الاجتماع البشري، فتعقّب هذه الظاهرة منذ نشأتها، وحاول تحديد التغيرات والتطورات وصولاً إلى الدولة الديمقراطية القومية. وحلّلَ، أيضاً، ظاهرة الأمة، كواقع اجتماعي طبيعي، وحدّدَ تعريفها. كما ناقش سعاده ظاهرة القومية – الظاهرة النفسية الاجتماعية – التي وصفها بعصبية الأمة، وقال: هي “يقظة الأمّة وتنبّهها لوحدة حياتها ولشخصيّتها ومميّزاتها ولوحدة مصيرها”.[95] كما عرّفها بكلام آخر، مؤكداً على طبيعتها الروحية – الشعورية، فقال: “إنّها الوجدان العميق الحيّ الفاهم الخير العامّ، المولّد محبّة الوطن والتّعاون الدّاخليّ..”.[96] و”هي الرّوحيّة الواحدة أو الشّعور الواحد المنبثق من الأمّة، من وحدة الحياة في مجرى الزّمان”.[97]
  • منهج الاستقراء: اعتمد سعاده منهج الاستقراء ليقرّر أن الأمة، كل أمة، ليست سلالة واحدة، بل هي مزيج من السلالات. فبعد ان لاحظ أن الأفراد في سورية وكذلك في مصر والبرازيل والأرجنتين وأميركانية، لا يتشابهون في صفاتهم الفيزيائيّة: كلون البشرة ومساحة الجمجمة وحجمها وأوصاف الوجه والأنف والعينين وغيرها من الصفات، استنتج، عندئذ، أنّ الأمة، من الوجهة السّلاليّة أو من وجهة الأصل، لا تتكوّن من سلالة واحدة بل هي مركّب أو مزيج معيّن من السلالات والشعوب تماماً “كالمركّبات الكيماويّة الّتي يتميّز كلّ مركّب منها بعناصره وبنسبة بعضها إلى البعض الآخر”.[98] وبالتالي فإن “كل الأمم الموجودة هي خليط من سلالات المفلطحي الرؤوس والمعتدلي الرؤوس والمستطيلي الرؤوس، ومن عدة أقوام تاريخية”.[99] وهذا ما دفعه ليعلن في المبدأ الأساسي الرابع من مبادئ حزبه، الذي يتبع منهج التسلسل التحليلي، أن الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري وهي النتيجة “الحاصلة من تاريخ طويل يشمل جميع الشعوب التي نزلت هذه البلاد وقطنتها واحتكت فيها بعضها ببعض واتصلت وتمازجت”[100] وصارت شعباً واحداً.
  • منهج المقارنة: استخدم سعاده المنهج المقارن في دراسته للظواهر المذكورة أعلاه ليبرز أوجه التشابه والاختلاف في أشكال هذه الظواهر وأطوارها. وباعتماده على هذا المنهج، استطاع سعاده معرفة تطور هذه الظواهر ومقارنة متغيراتها فقدّم التفسيرات الواضحة والتحليلات الفكرية والمعرفية بلوغاً للمفاهيم الواضحة والحقائق ذات البراهين المنطقية. والأمثلة عن جوانب المقارنة في “نشوء الأمم” نجدها في الفصول التالية:

أولاً، في الفصل الثاني، حيث يعرض سعاده لمسألة السلائل البشرية، والفوارق بينها، ولانتشار عقائد السّلالة عند جميع الأمم الحيّة ويقارن بين مختلف هذه العقائد القائمة على الوهم والعصبية الجنونية، مبيّناً كيف تشبّثت بعض الجماعات بنقاوة سلالاتها وادّعت “أنّ سلالتها أفضل السّلالات وأكرمها عنصراً”.[101]

ثانياً، في الفصل الرابع، حيث يناقش خصائص الاجتماع البشري ويقارن من ناحية بين الاجتماع الإنساني وعالم الحشرات والحيوانات مظهراً الفوارق بينهما، ومن ناحية ثانية، بين نوعين رئيسيّين من الاجتماع البشري: الاجتماع الابتدائيّ ورابطته الاقتصاديّة الاجتماعيّة هي رابطة الدّم، والاجتماع الراقي ورابطته الاقتصاديّة الاجتماعيّة مستمدّةً من حاجات الجماعة الحيويّة للارتقاء والتّقدّم بصرف النّظر عن الدّم ونوع السّلالة.[102]

ثالثاُ، في الفصل الخامس، حيث يقارن سعاده بين المجتمع البدويّ أو المتوحش وخصائصه والمجتمع العمراني أو المتمدّن، وخصائصه. كما يقارن بين الثقافة الأوليّة ومزاياها والثقافة العمرانية ومزاياها.

رابعاً، في الفصل السادس، حيث يركّز سعاده على نشوء الدولة وتطورها ويعتبرها شأناً ثقافياً، لا بل “أجدر الشّؤون والمظاهر الثّقافيّة تمثيلاً للحياة العقليّة الّتي هي من خصائص الاجتماع الإنسانيّ”.[103] ويقارن سعاده بين أشكال الدولة (الدّيمقراطيّة [Democracy] والأوطقراطيّة [Autocracy] والأرستوقراطيّة [ [Aristocracy) ووظائفها. كما يتناول أطوار الدولة ومرتباتها مقارناً بين: الدولة التاريخية والدولة الاستبداديّة والدولة المدنيّة والإمبراطوريّة البحريّة والدولة الإقطاعيّة والدولة الدّينيّة والدّولة الدّيمقراطيّة القوميّة.

خامساً، في الفصل السابع، حيث يعرض سعاده لمصالح المتحد ويقارن بين المصالح المتشابهة أو الشّكليّة والمصلحة العامّة أو المشتركة، كما يقارن بين مختلف مصالح المتحد الراقي كالمصالح الحيوية والنفسية (العقليّة) والمصالح الفنية والمصالح الخصوصية والمصالح الاجتماعية. ويقارن أيضاً بين متحد القرية ومتحد المدينة ومتحد القطر وخصائص كل منها.

 

[1] سعاده، “العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديمقراطيين عن عقيدة”، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 46، 15/6/1942

[2] أنطون سعاده، الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، الطبعة الرابعة، بيرون، 1977، ص 102.

[3] نظرة سعاده إلى الإنسان، النظام الجديد، بيروت، المجلد 1، العدد 2، 1/4/1948.

[4] رسالة من الزعيم إلى القوميين الاجتماعيين، 10/01/1947، منشورة في  نشرة عمدة الإذاعة بيروت، المجلد العدد 1، 30/6/1947

[5] راجع كتاب الزعيم إلى عميد الإذاعة (فايز صايغ)، النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، المجلد 1، العدد 2، 1/12/1947.

[6] نظرة سعاده إلى الإنسان، النظام الجديد، بيروت، المجلد 1، العدد 2، 1/4/1948.

[7] راجع مقالة “مدرسة الأنانية ومحبة الذات تعاليمها الفوضوية الغريبة”، منشورة في النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، المجلد، أ، العددان 3 و4، 15/12/1947.

[8] راجع مقالة “مدرسة الأنانية ومحبة الذات تعاليمها الفوضوية الغريبة”، منشورة في النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، المجلد، أ، العددان 3 و4، 15/12/1947.

[9] المذهب القومي الاجتماعي (من خطاب الزعيم في الاجتماعي القومي في نادي “شرف ووطن” في بوينُس آيرس في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1939)

[10] رسالة من الزعيم إلى القوميين الاجتماعيين، 10/01/1947، منشورة في  نشرة عمدة الإذاعة بيروت، المجلد العدد 1، 30/6/1947

[11] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، طريق الأدب السوري، بيروت، 1960، ص 51.

.[12] المحاضرات العشر، طبعة 1976، ص 109.

[13] المرجع ذاته.

[14] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، طريق الأدب السوري، بيروت، 1960، ص 71.

[15]سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، طريق الفكر السوري، بيروت، 1960، ص 60.

[16] هيثم، سعاده طبعاً، طبعة أولى 1988، مؤسسة بيسان، بيروت، ص 113.

[17] المحاضرات العشر، ص 105-106.

[18] سعاده، الآثار الكاملة 10، ص 28.

[19] سعاده، “العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديمقراطيين عن عقيدة”، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 46، 15/6/1942

[20] من الزعيم إلى الدكتور شارل مالك، النظام الجديد، بيروت، المجلد 1، 01/03/1948.

[21] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، من الظلمة إلى النور، بيروت، 1960، ص 67.

[22] من الزعيم إلى الدكتور شارل مالك، النظام الجديد، بيروت، المجلد 1، 01/03/1948.

[23] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، من الظلمة إلى النور، بيروت، 1960، ص 45.

[24]  المرجع ذاته.

[25] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، ص 64.

[26] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، ص 64-65.

[27] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، بيروت، 1960، ص 49.

[28] المرجع ذاته، ص 48.

[29] أنطون سعاده، الآثار الكاملة – الجزء الأول، مرحلة ما قبل التأسيس، بيروت، 1975، ص. 218.

[30]  أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، منشورات عمدة الثقافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ص. 177.

[31] سعاده، شق الطريق لتحيا سورية، نشرة عمدة الإذاعة، بيروت، المجلد 3، العدد 9، 31/10/1947

[32]سعاده،  مختارات  في المسألة اللبنانية – 2- الانعزالية أفلست 1947 – 1949، ص 150 – 151

[33] سعاده، “العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديمقراطيين عن عقيدة”، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 46، 15/6/1942

[34] المرجع ذاته.

[35] المرجع ذاته.

[36] راجع خطبة الزعيم في حفلة الأول من آذار عام 1938، منشورة في كُتيّب “سعاده في أول آذار”، ص 27.

[37] راجع خطاب الزعيم في بشامون، 03/10/1948

[38] راجع خطبة الزعيم في حفلة الأول من آذار عام 1938، منشورة في كُتيّب “سعاده في أول آذار”، ص 27.

[39]المحاضرات العشر، طبعة 1976، ص 34.

[40] “سعاده في أول آذار”، ص 102.

[41]  سعاده، “العقيدة السورية القومية الإجتماعية وبحث الديمقراطيين عن عقيدة”، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 46، 15/6/1942.

[42] المرجع ذاته

[43] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، بيروت، 1960، ص 71.

[44] راجع خطبة الزعيم في حفلة الأول من آذار عام 1940، منشورة في كُتيّب “سعاده في أول آذار”، ص 98.

[45] رسالة من الزعيم إلى القوميين الاجتماعيين، 10/01/1947، منشورة في  نشرة عمدة الإذاعة بيروت، المجلد العدد 1، 30/6/1947

[46] سعاده، النظام الجديد، بيروت، المجلد 1، العدد 1، 1/3/1948

[47] راجع خطبة الزعيم في حفلة الأول من آذار عام 1940، منشورة في كُتيّب “سعاده في أول آذار”، ص 58.

[48]  المرجع ذاته..

[49] المرجع ذاته.

[50] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، من الظلمة إلى النور، ص 53.

[51]  رسالة من الزعيم إلى القوميين الاجتماعيين، 10/01/1947، منشورة في  نشرة عمدة الإذاعة بيروت، المجلد العدد 1، 30/6/1947

[52] المذهب القومي الاجتماعي (من خطاب الزعيم في الاجتماعي القومي في نادي “شرف ووطن” في بوينُس آيرس في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1939)

[53] سعاده، نشوء الأمم، ص 74.

[54] المرجع ذاته، ص. 89.

[55] المرجع ذاته، ص 85.

[56] المرجع ذاته، ص 85.

[57] المرجع ذاته، ص 85.

[58]المرجع ذاته، ص  90.

[59] المرجع ذاته، ص 161.

[60] المذهب القومي الاجتماعي (من خطاب الزعيم في الاجتماعي القومي في نادي “شرف ووطن” في بوينُس آيرس في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1939).

[61] سعاده في أول آذار 1956، ص 59.

[62] رسالة إلى غسان تويني، صدر عن مكتب الزعيم، 4/8/1946

[63]  النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، العدد 1، المجلد 1، 15/11/1947

[64] المرجع ذاته.

[65] سعاده، “مصير فرنسة وإمبراطوريتها، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 43، 1/5/1942

[66] الزعيم في سانتياغو، سورية الجديدة، سان باولو، العدد 67، 25/05/1940.

[67] المرجع ذاته.

[68] المرجع ذاته.

[69] المرجع ذاته.

[70] المرجع ذاته.

[71] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص  107.

[72]  أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 131.

[73] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 168.

[74] ملحق رقم 9، خطاب الزعيم في اللاذقية، 26/11/1948.

[75] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 106.

[76] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 30.

[77] ملحق رقم 4، خطاب الزعيم في دده – الكورة 17/10/1948، صدى الشمال ـ صوت الجيل الجديد، بيروت، العدد 7، 8/7/1958

[78] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 70.

[79] نظرة سعاده إلى الإنسان، النظام الجديد، بيروت، المجلد 1، العدد 2، 1/4/1948.

[80] تعاليم وشروح في العقيدة المجموع والمجتمع بقلم الزعيم،  النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، المجلد 1، العدد2، 1/12/1947

[81]  تعاليم وشروح في العقيدة المجموع والمجتمع بقلم الزعيم،  النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، المجلد 1، العدد2، 1/12/1947

[82] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 22.

[83] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 108.

[84]  المذهب القومي الاجتماعي (من خطاب الزعيم في الاجتماعي القومي في نادي “شرف ووطن” في بوينُس آيرس في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1939).

[85] سعاده، الآثار الكاملة 1 أدب، الصراع الفكري في الأدب السوري، من الظلمة إلى النور، ص 45..

[86] سعاده في أول آذار، ص 58.

[87] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 73.

[88] المرجع ذاته.

[89] سعاده، ملحق رقم 5 كلمة الزعيم في القوميين الاجتماعيين، منشورة في صدى الشمال – صوت الجيل الجديد، بيروت، العدد 85.  

[90] أنطون سعاده، الآثار الكاملة- الجزء الأول، مرحلة ما قبل التاسيس، بيروت، 1975، ص 238.

[91] سعاده، نشوء الأمم، المقدمة، ص 15-16.

[92] المرجع ذاته، ص 15.

[93] المرجع ذاته.

[94]المرجع ذاته، المقدمة، ص 15.

[95] المرجع ذاته، ص 167.

[96] المرجع ذاته.

[97] المرجع ذاته.

[98] المرجع ذاته، ص 157.

[99] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص

[100] المرجع ذاته.

[101] سعاده، نشوء الأمم، ص 29.

[102] المرجع ذاته، ص 58.

[103] المرجع ذاته، ص 90.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى