; سعاده توّجَ حياته بقيمة الفداء في وقفة عزِّ تاريخيّة جسّدَتْ كلَّ معاني البطولة والتضحية لتنتصرَ إرادةُ الحياة - SSNP
دراسات/مقالات

سعاده توّجَ حياته بقيمة الفداء في وقفة عزِّ تاريخيّة جسّدَتْ كلَّ معاني البطولة والتضحية لتنتصرَ إرادةُ الحياة

د. ادمون ملحم

أنطون سعاده فيلسوف وقائد وعالم اجتماعي جاءَ بعقيدةٍ مناقبيّةٍ جامعةٍ وبنظامٍ قوميٍّ اجتماعيٍّ جديدٍ لينقلَ الأمّةَ السورية، المجزّأة إلى كيانات و”أوطان” وعشائر وقبائل، منْ حالةٍ التخلّفِ والتجزئةِ والتبعيّةِ إلى حالةٍ جديدةٍ هي حالة الوحدة والنهوضِ والتقدم والفلاح.

ولكونه قائداً، عملَ سعاده على تحقيق مبدأ الإخاء القومي بتأليفِ القلوبِ وتقريبِ النفوسِ وتوحيدِ المشاعرِ والإراداتِ وجمعِ فئاتِ الأمّةِ في مطلبٍ واحدٍ وعقيدةٍ واحدةٍ وإرادةٍ واحدةٍ ودعَا لنهضةٍ قوميّةٍ اجتماعيّةٍ شاملةٍ شؤون حياتِنا السوريّةِ كما دعَا لإحياءِ المناقبِ القوميّةِ والتمرّسِ بالفضائلِ الساميةِ والعملِ بعقليّةٍ أخلاقيّةٍ جديدةِ لتحيا الأمّة بأجيالِها المتعاقبةِ. وقالِ: “إنّ نهضتنا هي نهضة أخلاق ومناقب في ‏الحياة قبل كل شيء آخر”. [1]

وسعاده كان رجلاً مثالياً ذا شخصيةٍ قويةٍ، عصاميةٍ، نقية بلا شوائب… وكان قائداً جريئاً لا يخشى الصعاب… تعرّض في حياته لمشقات كبيرة وحملَ في نفسِهِ آلامًا عظيمةً، ولكنَّهُ لمْ يأبهْ للمشاق والمعاثر والآلامْ وللسلامة الشخصية لأنَّهُ كانَ مستعدًّا للتضحية والفداء من أجلِ الحرّيّةِ والعزِّ القوميين، ولأنَّهُ كانَ مقتنعًا أأنَّ الغاياتِ الساميةَ لا تنشدُها ‏إلا النفوسُ الكبيرةُ، التي لا بدَّ لها منْ أنْ تتألَّمَ وسطَ الصدماتِ ‏وهي إذ تقبلُ التضحياتِ فلأنَّها تعي أنَّ في التضحياتِ حياةً. [2]

سعاده أوصى بالحذر من أوهام المشككين والمشعوذين وأصحاب المآرب الشخصية ودعا للتسلح باليقين والمعرفة والإيمان القومي الصحيح في مواجهة الغافلين الجاهلين

سعاده كان قوي العزيمة وعنيداً في الحق ومتكبراً على كل متكبر على الأمة وحقوقها. لم تضعفه الصعوبات ولم تنل من عزيمته شعوذة النفعيين ودسائس المنافقين وأهل الخيانة والمتآمرين.. أوصى بالحذر من أوهام المشككين والمشعوذين وأصحاب المآرب الشخصية ودعا للتسلح باليقين والمعرفة والإيمان القومي الصحيح في مواجهة الغافلين الجاهلين داعياً السوريين إلى الجهاد، قائلاً: “إلى هذا الجهاد أدعوكم! وما أغنت النيات عن الأعمال، ولا قامت التمنيّات مقام الأفعال. فاختاروا لأنفسكم أحد المصيرين: مصير الاستسلام والانحلال، أو مصير الثقة بالنفس والجهاد في الحركة القومية، حتى يتم النصر ويقوم حق الأمة السورية!”.[3]

شدّدَ سعاده في حياته على أهميّةِ المبادئ، معتبراً أنَّ قيمةَ حياةِ الإنسانِ تكمنُ في مبدأ وفي َمثَلٍ منشودٍ وقال: إنَّ الحياةَ الإنسانيةَ بلا مبادئ يتمسّكُ بها الإنسانُ، ‏ويبني بها شخصَهَ ومعنى وجودِهِ، هي باطلٌ”.[4] لا قيمةَ لها. والمبادئ المناقبية الجديدة التي جاء بها سعاده وحّدتنا نحن القوميين الاجتماعيين في وحدة روحية متينة وجعلت منا هيئة اجتماعية تحقق فيها الوعي والمعرفة لحقيقتنا ولأهدافنا في الحياة… ولتحقيق أهدافنا وأمانينا، نسير في الحياة متسلحين بأخلاقنا ونقاتل بمبادئنا ودمائنا لتثبيت حقوق الأمة وسيادتها ولإحقاق الحق وإزهاق الباطل.. وكلنا إيمان وثقة بنفوسنا الخيّرة التي لن تجد لها راحة بال حتى يكون لها ما تريد وما تريده هو الحياة الحرة الكريمة.

سعاده استهزأ بالموت حين هدَّده المارقون من رجولتهم بالقتل، مؤكداً بأن رسالته قد أُعلنت ومبادِئه قد انتشرت

وبصفته باعث نهضة قومية اجتماعية شاملة، آمن سعاده بشعبه الكريم إيمانًا كبيرًا وعبّرَ عن فعلِ إيمانِهِ باعتبارِ أمته هاديًة ومعلّمًة للأممِ وقائدًة للعالمِ بروحِ التعاليمِ الجديدةِ. كما اعتزَّ بقوميّتِهِ وبأصالةِ أمّتِنا السوريّةِ وبجمالِ أرضِنا الخصبةِ التي قالَ إنَّ فيها معينًا للرجالِ الناهضينَ وفاخر بما أعطَتهُ هذهِ الأمةُ للعالمِ من علومٍ ورسالاتٍ ومعارفَ ومن عظماءٍ خالدينَ وفلاسفةٍ ومفكرينَ وقوّادٍ ومحاربينَ وقالَ “إنَّ في النفسِ السوريّةِ كلَّ علمٍ وكلَّ فلسفةٍ وكلَّ فنٍّ في العالمِ”.[5]

سعاده استهزأ بالموت حين هدَّده المارقون من رجولتهم بالقتل، مؤكداً بأن رسالته قد أُعلنت ومبادِئه قد انتشرت وأن حياته تساوي عنده فقشة من إصبعيه.. لقد تعرّض للموت قتلاً واغتيالاً مراراً ورأى الموت مقبلاً عليه في أشكالٍ مختلفةٍ فما تجنبه، لأنه كان واثقاً في كل حين أنه قادرٌ على مواجهته وسحقه…

سعاده توّجَ حياته بقيمةِ الفداءِ في وقفةِ عزِّ تاريخيّةِ جسّدَتْ كلَّ معاني البطولةِ والتضحيةِ لتنتصرَ إرادةُ الحياةِ في الشعبِ ولتكونَ له حياةُ العزِّ والشرفِ والكرامةِ. في ذلك اليومُ الفاصلُ في حياةِ أمتِنا حصل التأكيد القاطع على عظمةِ هذا الرجلِ ومعدنه وعلى ما تمتّعَت به نفسه الكبيرة من إيمان بشعبه ومن حب وإخلاص لأمته.

سعاده القائدُ الجريءُ سخِرَ من الموت عندما قالَ لجلاديهِ “دعوا عينيّ مفتوحتينَ لأرى الرصاصَ يخترقُ صدري”… وانتصرَ عليهِ في مشهدٍ بطوليٍّ حقيقيٍّ، شاهداً للحق ومبرهناً على زعامته الفريدة المعبّرة التعبير الأوفى والأصفى عن حقيقة الأمة السورية وعظمتها ومثلها وتطلعاتها.

[1] إعلان وإيضاح العلاقة مع جبران مسوح، الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 82، 4/11/1944.

[2] إعلان وإيضاح العلاقة مع جبران مسوح، الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 82، 4/11/1944.

[3] سورية والحرب الحاضرة – نداء الزعيم إلى الشعب السوري، 01/06/1940، سورية الجديدة، سان باولو، العدد 70، 15/6/1940.

[4] إعلان وإيضاح العلاقة مع جبران مسوح، الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 82، 4/11/1944.

[5] المرجع ذاته، ص 108.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى