دراسات/مقالات

مفهوم التربية عند أنطون سعاده

بقلم: رامزا صادق / ناظر التربية والشباب في منفذية صور

تُعدّ الفلسفة نشاطاً مبنياً على التحليل والتأمّل وقائماً على منهج تجريدي. والتربية هي عملية التحوّل من المنهج التجريدي إلى المنهج التطبيقي. سعى أنطون سعاده إلى دمج المنهجين في فلسفته حيث العنصر الفلسفي والعنصر المادي، النظري والتطبيقي. فأنتج هذا التزاوج فلسفة تربوية تميّز بها عن سائر الفلاسفة وعلماء الإجتماع وعلماء التربية المعاصري. لذلك من الضروري تسليط الضوء على هذه الفلسفة المتفرّدة بمفاهيمها واتجاهاته.

وظيفة المربّي السوري القومي الإجتماعي

في 1/8/1948، توجّه أنطون سعاده إلى المربّين في مؤتمر المدرّسين، مشدّداً على مهمّتهم في زرع بذور النهضة في نفوس الطلبة عن طريق ترسيخ الفكر العقائدي للقومية السورية، ومن خلال التربية على القيم الأخلاقية والمناقبية وعلى القيم الإجتماعية من حريّة وواجب ونظام وقوّة. إذ اعتبر أنّ تربية الأحداث من أخطر المهام التي توكل للمربّي. فعليه أن ينتقي من الثقافة العناصر الصالحة وأن يستخدمها بالأسلوب الأكثر تأثيراً في إعداد الأجيال الناشئ.

والجدير بالذكر أن الزعيم ركّز في  كلمته على الأساليب التربوية المتجسّدة بفهوم التماهي والتقليد والقدوة بقوله على أن من واجب المربي أن يكون “قدوة حيّة يرى الأولاد في تصرّفه في كل أمر صغير أو كبير مثل الحرية والواجب والنظام والقوة”.

من الناحية التربوية، التقليد والتماهي يشكلان أساس التنشئة لأن الطالب يستبطن بواسطة هذه الأساليب شخصية المعلّم.

لتحقيق هذه الغاية، يسعى الأستاذ إلى العمل على تحسين سلوكه وتصرفاته وممارساته العملية وتطوير ذاته. من هنا، يتبلور الدور التوجيهي الذي مارسه الزعيم بهدف تحسين العملية التربوية غايتها تكوين الشخصية السورية القومية الإجتماعية لدى الطلاب. كما حذّر الزعيم من” تسميم الأحداث بالمناهج الفاسدة…” وهذا ما وصلنا إليه في الوقت الراهن. فالتعليم اليوم يواجه خطورة العولمة التي تأثّر بها إعداد المناهج التربوية لا سيّما تلك المعتمدة من المدارس الخاصة. وإذا تعمّقنا في دراسة المناهج الحالية التي أصدرت منذ  22 عاماً، نكتشف إلى حدّ ما عدم مراعاتها الأساس الفلسفي والأساس الإجتماعي والأساس النفسي للطالب.

فلسفة تربوية ترتكز على نشر  المعرفة في المجتمع

ترتكز التربية الحديثة على تحويل الكائن البشري، من كائن بيولوجي إلى كائن إجتماعي. يتم ذلك من خلال وظيفتها كعملية إعداد الفرد للتوافق مع البيئة الإجتماعية التي ينتمي إليها.

إن معظم العلماء الذين عبّروا عن الإهتمام بدراسة العلاقة بين التربية والمجتمع، كانت معظم كتاباتهم إلى حدّ كبير يغلب عليها الطابع التأمّلي، وغير مرتبطة بالواقع الإجتماعي.

لكن التجدّد الذي طغى على فلسفة أنطون سعاده تبلور من خلال تجريدها من مفهومها العام وجعلها تسري في المجتمع.

انطلاقاً من دراسته للإنسان والمجتمع، تتضّح المقاربة بين فلسفة سعاده والتربية. إنّ مفهومه للوجود الإنساني باعتباره وجوداً اجتماعياً، يجعل الإنسان هو المسؤول عن تطوره وتنمية مهاراته. ونظراً لدور التربية في تنمية وتطوير وتعديل السلوك الإنساني، فنرى أن تميّز فلسفته تكمن في جعله الفلسفة والتربية يندمجان بغية تحرير الإنسان من فرديته. والتجديد أدّى إلى ظهور فلسفة عصرية تحاكي الواقع.

فلسفة تربوية قاعدتها البحث العلمي

أعدّ سعاده فلسفة جديدة مبنية على البحث العلمي الأمر الذي جعل منها عملية تطبيقية نابعة من التفكير المنطقي، قائلاً  “لا أريد لكتبي أن توضع على رفوف المكتبات. فطريقة البحث العلمي للوصول إلى المعرفة يعتبر من أبرز طرائق التدريس التي تساهم في إنجاح العملية التعليمية ـ التعلمية. كما يؤدي إلى المعرفة الواقعية لاحتياجات المجتمع. إنّ قراءة” نشوء الأمم” توضح لنا، أن الزعيم درس بطريقة علمية منظّمة ظهور الكائن البشري مستنداً على ركائز علمية لنشوء الأمة ومحلّها في سياق التطور الإنساني وعلاقتها بمظاهر المجتمع.  إن مجرد اعتماد سعاده تلك الطريقة التعليمية، فهو يسعى إلى إلقاء الضوء على تربية حديثة تنقل معارف ومعلومات ومفاهيم ومعطيات أساسها البحث العلمي.

فلسفة تربوية ركيزتها العقل والمعرف

أثبت علماء الفلسفة التربوية والمشتغلون بها نظرياتهم في عرضها وتقديمها.  ثمة تقارب أو تجانس يبرز بين فلسفة جون ديوي الذي يُعد من أشهر أعلام التربية الحديثة، وفلسفة أنطون سعاده، متمثلاً باعتبار ديوي أن البحث عن المعرفة يتم بمجرّد الوجود الإنساني ووجود الفرد ضمن مجتمع معيّن. لكن التباين بين النظريتين يظهر بانتقاص ديوي من وظيفة العقل.

من الجانب الأخر، ظهرت فلسفة سعادة لتثبت مبدأ تفاعل الأساس المادي والأساس الروحي للحياة الإنسانية.  بالنسبة لسعاده، إن العقل يشكّل القاعدة لمعرفة الحقائق فهو المسؤول عن العملية المعرفية الواعية للإنسان كالإدراك والانتباه والتفكير.  إن مفهوم سعاده للعقل مرتبط بكونه ينمّي القدرة على التخيّل والتفكير والتحليل والإستنتاج واتخاذ القرارات وحلّ المشكلات.  أما بالنسبة لدور العقل في العملية التربوية، فإنّ اكتساب المعلومة لا يكتمل إلا بالمرور بالمستويات الثلاث العليا من مهارات التفكير للوصول إلى أعلى مستوى “المعرفة”. بطريقة مبسّطة، إن الطالب الذي يصل إلى أعلى مستويات العمليات الفكرية، أي العقل، يكون بذلك أصبح قادراً على فهم وتحليل ودراسة المفاهيم التي تلقاها…

نستخلص من هذا البحث، أنّ أنطون سعاده خلق فلسفة قائمة على كل عناصر التربية ، متفرّدة بمفاهيمها الجديدة.. إنه الفيلسوف الذي قدّم للمجتمع فلسفة ركيزتها المعرفة والعمل التربوي وهدفها إعادة توحيد الوطن السوري ونشر مفهوم القومية.

في ذكرى استشهاد فيلسوف الحياة..

من التربويين السوريين القوميين الإجتماعيين إلى أنطون سعاده رداً على توصياته عام 1948.

 

حاربنا الجهل أينما وُجد ونشرنا المعرفة..

سلكنا طريق الحرية والواجب والنظام والقوة.

اعتنينا بالنبت الصالح ليزهّر أبناء الحياة.

أعددنا أجيالاً واعية لهويتها السورية القومية.

أنشأنا أجيالاً متحررة من القوقعة والمناطقية و الطائفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى