شكّل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقرار منفرد أن الولايات المتحدة سوف تبدأ بسحب قواتها من سوريا يمثل تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية بالمنطقة، وفق ما أعلن البيت الأبيض، ولاقى قرار ترامب الكثير من الإنتقادات والإعتراضات التي تم تسليط الضوء عليها عبر وسائل الإعلام الأميركية والدولية،
تناقضات إدارة ترامب
هذه ليست المرة الأولى التي تطفو فيها هذه التناقضات في إدارة ترامب على السطح، لا سيما وأن هذا القرار المفاجئ والخطير، “المنفصل عن أي سياق استراتيجي أوسع أو أي سبب منطقي” بحسب وصف صحيفة نيويورك تايمز، سيعزز عدم اليقين حيال التزام أمريكا بالشرق الأوسط، وحيال قيادة ترامب لهذا العالم.
كما ترى الصحيفة الأمريكية أن “من واجب الجنود اتباع قائدهم وتنفيذ أوامره القانونية، لكن نجاح ذلك يعتمد على الثقة بأن القائد يعرف ما الذي يفعله وإلى أين يتجه”.
من جهتها رأت مجموعة الصراع الدولية (ICG) بأن الانسحاب “المتسرع” من شمال شرق سوريا من شأنه أن يطلق قوى متنافسة تتصارع لتحقيق الامتيازات، وتحذر من أن “عدم وجود اتفاق مسبق متفاوض عليه يمكن أن يهدد بنشوء صراع متصاعد”.
“إسرائيل خاسرة”
أما على ضفة اسرائيل فهي تشعر إسرائيل بالقلق من خروج أكبر حليفة لها قد يقلص نفوذها الدبلوماسي في مواجهة روسيا أكبر داعم للحكومة السورية.تعتبر هذا الوجود خطرا رئيسيا يهدد أمنها، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوالذي قال إن إسرائيل ستصعد معركتها ضد القوات المتحالفة مع إيران في سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد.
صدمة وفوضى وارتباك
المحلل السياسي في شبكة “سي إن إن”، ستافان كولينسون، يرى أن القرار “متهور”، “أربك كبار المستشارين”، وسبب “صدمة في العالم”، ناهيك عن “الفوضى والارتباك” في واشنطن.
ويحيل كولينسون في هذا السياق إلى التناقض في القرار مع الهدف المركزي لسياسات واشنطن في الشرق الأوسط: “الحد من تأثير إيران في المنطقة”، وبالتالي، ستُترك المنطقة لطهران ولقوى خارجية أخرى لملء الفراغ.
وحول النقطة الأخيرة تجدر الإشارة إلى تصريح جون بولتون، مسشتار الأمن القومي، قبل نحو ثلاثة أشهر، حين تحدث عن توسيع دائرة أهداف القوات الأمريكية في سوريا.
الولايات المتحدة لم تهزم “داعش”
وبينما اعتبر ترامب أن المهمة الأمريكية في سوريا انتهت بنجاح وقال إنه “تم سحق تنظيم الدولة الإسلامية”، إلا أنّ مركز دراسات الحرب الأمريكي (ISW) نشر بعد إعلان ترامب انسحاب القوات الأمريكية بساعات جاء في مطلعه “لم تهزم الولايات المتحدة وحلفاؤها داعش في العراق أو سوريا”.
وتخوف التقرير من أن جيوب التنظيم قادرة على لملمة نفسها مرة أخرى وآلاف المقاتلين ما زالوا موجودين في مناطق متفرقة من البادية السورية والقرى، بالإضافة إلى وجود شبكة لسيطرتهم من خلال طرق وأنفاق تمتد لأطراف المدن السورية أيضا.
وبحسب باحثين أمريكيين فمن الواضح تماما تراجع قدرات ونفوذ التنظيم في المنطقة، لا سيما بعد خسارته للأراضي التي استولى عليها، وتراجع نفوذه بشكل كبر، لكنه ما يزال يحتفظ بجيب صغير على الحدود العراقية السورية، ويوجد فيه ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل.
وبالتالي، يشير باحثون إلى أن ترامب لم يفكر في عواقب القرار، لا سيما أن ثمة إمكانية لأن يعيد تنظيم داعش تقوية صفوفه، كما يرون أن في الانسحاب “هدية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يريد الاستحواذ على مناطق النفوذ الأمريكي”، بالإضافة إلى إيران، التي وسعت نطاقها الإقليمي بشكل كبير.
حكومة الرئيس الأسد ستستعيد باقي أراضي البلاد
على المستوى الأمني أكد مدير الاستخبارات القومية الأمريكية، دان كوتس، أن حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، ستستعيد في 2019 باقي أراضي البلاد الخاضعة لسيطرة المعارضة
وقال كوتس، في كلمة ألقاها امام لجنة الاستخبارات لمجلس الشيوخ التابع للكونغرس الأمريكي، مقدما تقريره عن “تقدير التهديدات في العالم”، إن قوات الرئيس السوري “هزمت المعارضة لدرجة كبيرة وتسعى حاليا لاستعادة السيطرة على كامل أراضي الدولة”.
وأوضح كوتس أن السلطات السورية ستحاول بالدرجة الأولى استعادة الأراضي الخاضعة حاليا لسيطرة المعارضة في محافظة إدلب وشرق البلاد، مع “إعادة الإعمار في المناطق التي يؤيد سكانها الحكومة بالتوازي مع تعزيز اتصالاتها الدبلوماسية” مع الدول الأخرى.
واعتبر مدير الاستخبارات القومية الأمريكية أن “مجموعات المعارضة التي تعتمد على الدعم المستمر من قبل تركيا لن تكون على الأرجح قادرة على التصدي للعمليات العسكرية للنظام لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب، لكن موارد كافية قد تبقى لديها لإطلاق أعمال تمرد غير مكثفة لدرجة كبيرة في المناطق التي سيبسط النظام السيطرة عليها من جديد خلال السنوات المقبلة”.
وأشار إلى أن “النظام سيقوم على الأرجح بتركيز جهوده بشكل أكبر على استعادة السيطرة على المناطق التي تخضع حاليا للأكراد”، وأوضح: “يبدو أن دمشق ستحاول الاستفادة من أي فراغ في قطاع الأمن ومن الضغط على الأكراد من قبل تركيا لإبرام اتفاق مربح معهم بالتزامن مع السعي إلى الحد من وجود تركيا في سوريا ونفوذها هناك، مع استعادة السيطرة على الأراضي الواقعة شمال غرب البلاد التي تشغلها حاليا تركيا”.
تحذير من خطر الإنسحاب المتسرع
من جهته كشف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل، عن تشريع مقترح، يحث الرئيس دونالد ترامب على التراجع عن خطط التخلي عن مواقع الولايات المتحدة في سوريا.
ويدعو التشريع ترامب إلى مواصلة القتال ضد المتطرفين، وخاصة تنظيمي القاعدة وداعش، في كل من سوريا وأفغانستان.
وحذر ماكونيل من “خطر الانسحاب المتسرع”، داعياً إلى حلول دبلوماسية للأوضاع في البلدين.
وبينما يتفق المسؤولون الأميركيون إلى حد كبير على أن تنظيم داعش فقد كل الأراضي التي يسيطر عليها تقريباً في العراق وسوريا، إلا أن هناك خلافاً حول مدى هزيمة داعش.
ردو فعل دولية
أما بخصوص ردود الفعل على إعلان ترامب، فقالت فرنسا، على لسان وزيرة الدفاع ، فلورنس بارلي، إن تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لم يمح من الخارطة بعد، وتتوجب هزيمته عسكرياً تماماً في آخر جيوبه ومعاقله في سوريا.
أما في روسيا، فقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنه متفق إلى حد بعيد مع ترامب على أن تنظيم الدولة الإسلامية قد انهزم، لكنه عبر عن تشكيكه فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب بالكامل من سوريا.
كما يبدو أن حتى أشد مناصري ترامب يشعرون بالقلق، هذا مثلا ما كتبه السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا، ماركو روبير، عبر تويتر: “إنه خطأ كبير، إذا لم يتم عكس ذلك، فإن ذلك من شأنه أن يطارد هذه الإدارة والولايات المتحدة لسنوات قادمة”.
أما السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، فعبر عن “انزعاجه” من القرار، وأن هذا “حال آخرين في مؤسسة الأمن القومي”، داعيا إلى عقد جلسات استماع في الكونغرس حيال الأمر.