دراسات/مقالات

الثقة في القومية الاجتماعيّة حجر الأساس في بناء الإنسان الجديد

د. إدمون ملحم

 

 

 

 

 الثقة هي جوهرة من جواهر الفلسفة القومية الاجتماعية وركيزة من ركائز الحياة القومية المثلى التي تسعى الحركة القومية الاجتماعية لتأسيسها. والفلسفة القومية الاجتماعية تشدِّد على مبدأ الثقة وتعتبره أساساً للمشروع الإنشائي العظيم: إشادة البناء القومي المحصّن وقيام الدولة القومية المعبِّرة عن إرادة الأمة والحريصة على تحقيق مصالحها الحيوية. يقول سعاده: «إن مبدأً أساسياً من مبادئ الحزب السوري القومي المناقبي هو مبدأ الثقة. فعلى أساس الثقة تقوم حركتنا وبالثقة نعمل”.[1]

والثقة في قاموس سعاده هي تعريف مرادف لرابطة القومية الجامعة. يقول سعاده: «ليست القوميّة إلا ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها”.[2]  لذلك فإن الفلسفة القومية الاجتماعية تحتّم علينا أن نعتمد على أنفسنا وعلى قدراتنا وأن نثق بمواهبنا وبجدارتنا بالحياة الراقية و”اننا لو شئنا أن نفرّ من النجاح لما وجدنا لنا مفراً منه”.[3] وسعاده يقول لنا: “كونوا قوميين وثقوا بنفوسكم وحزبكم وقضيتكم”.[4] كما يقول: “إن فيكم قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ”.[5] وبتاريخ 19 كانون الثاني 1937، زار سعاده منطقة الشوف التي كان يجري فيها نزاع شديد بين الحركة القومية ونفوذ الإقطاعيين، وألقى خطاباً توجه فيه إلى القوميين الاجتماعيين قائلاً:

لا تثقوا بوعود أحد من خارجكم. إن بحر السياسة مضطرب ولكن ثقوا بأنفسكم. ثقوا بأن عقولكم ليست عقولاً مريضة. ثقوا بأن قضيتكم هي قضية حياتكم. ثقوا بأنفسكم قبل كل شيء واعتصموا بإرادتكم قبل كل شيء ولا تهتزّ أعصابكم حين الخطر، لأن الخطر في اضطراب الأعصاب.[6]

“لا تثقوا بوعود أحد من خارجكم. إن بحر السياسة مضطرب ولكن ثقوا بأنفسكم”..

القومية، يقول سعاده، “هي روح الشعب وشعوره بشخصيته”[7] لذلك فإن تعاليمه تشدِّد علينا بأن نثق بأصالتنا وبنفسيتنا الجميلة وبما يختزن فيها من خير وجمال وإبداع، لأن “في النفس السوريّة كل علم وكل فلسفة وكل فن في العالم”.[8] لذلك يجب ان ننتصر على الخمول والكسل والاتكالية ونعود إلى الإيمان بذاتنا، بنفسيتنا الجميلة وخصائصها، وبقدرتنا على الخلق والإبداع. يقول سعاده:  “إننا نعتقد أنّ الدماغ السوري ليس أقلّ مقدرة وذكاء من أي دماغ في العالم. وهذا الدماغ السوري هو نفسه يعرف ويقدر أن يخطط للمجتمع السوري الخطط والقواعد التي يكون بها صلاحه وعزه.”[9]

والثقة هي شرط من شروط الاستقلال الحقيقيّ، الروحيّ والسياسيّ على السواء. فإن لم “نستمدّ مثلنا العليا من نفسيتنا” وإن لم تقوَ هذه النفسيّة “وتنزه عن العوامل الخارجية وسيطرة النفسيات الغريبة، فإن سورية”، يعلن سعاده، “تبقى فاقدة عنصر الاستقلال الحقيقيّ وفاقدة المثل العليا لحياتها”.[10] وفي خطابه المنهاجيّ الأول، يعتبر سعاده أن “مبدأ سورية للسوريين والسوريون أمة تامة أخذ في تحرير نفسيتنا من قيود الخوف وفقدان الثقة بالنفس والتسليم للإرادات الخارجية”.[11] وبفضل هذا المبدأ فإن “أفعالنا ووقائعنا ستثبت حكم إرادتنا التي لا تعرف عجزاً”.[12]

وسعاده يؤكد بأن سورية الناهضة بالقومية الجديدة وتعاليمها الاجتماعية هي غير سورية القديمة “المسترسلة إلى أوهام فاقدي الروح القومية وعديمي الثقة بالنفس”.[13] عندما قرّر سعاده إنقاذ الأمة بإنشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي كان محاطاً بظروف سياسية وروحية نفسية وحالة يأس نتيجة فقدان الثقة بالنفس. هذه الحالة التي اعتبرها أكبر نكبة أصيبت بها الأمة يصفها لنا في خطابه في الأول من آذار عام 1938:

فإن فقد الثقة بالنفس وبقوى الأمة وإمكانيّاتها السياسيّة والاقتصادية، والاستسلام للخنوع، أنشأ طائفة من المأجورين للإرادات الأجنبية القريبة والبعيدة يغذون الأفكار بسموم فقدان الثقة بمستقبل الأمة والتسليم للأعمال الخارجية والحالة الراهنة.  فإذا النفسية العامة في الأمة نفسية خوف وجبن وتهيّب وتهرّب وترجرج في المناقب والأخلاق. ومن صفات هذه النفسية العامة الخداع والكذب والرياء والهزء والسخرية والاحتيال والنميمة والوشاية والخيانة وبلوغ الأغراض الأنانية، ولو كان عن طريق الضرر بالقريب وعضو المجتمع.[14]

الفلسفة القومية الاجتماعية تشدِّد على مبدأ الثقة وتعتبره أساساً للمشروع الإنشائي العظيم.

إن السوريين القوميين الاجتماعيين قد حرروا أنفسهم، بفضل مبادئ القومية الاجتماعية، من الأوهام التي قعدت بهم عن طلب ما هو جدير بهم كالوهم الباطل “الذي يدعو إليه فريق من ذوي النفوس السقيمة والعقول العقيمة، وهو أننا قوم ضعفاء لا قدرة لنا بتحقيق مطلب او إرادة، وان أفضل ما نفعله هو ان نسلم بعجزنا ونترك شخصيتنا القومية تضمحل من بين الأمم ونقنع بكل حالة نسير إليها”.[15]

والحق يُقال، إن الثقة هي من أجمل الأخلاق وأشرفها. فهي “مصدر العزم والهمة والأعمال الجبارة”[16] وهي شرط أساسي لنجاح الجماعات والمؤسسات ولتقدم الأمم. وهذا الشرط يمنح نظام الهيئة الاجتماعية قوة ومتانة ويقوي وحدة الجماعة وتماسكها ويدفع بالأفراد المؤمنين للعطاء والتضحية في سبيل قضيتهم المشتركة. لذلك يقول سعاده: “إن الثقة بالنفس كانت ولا تزال وستظل العدّة التي لا يقوم شيء في العالم مقامها في حياة الأمم”.[17] ومتى أصيبت الثقة بالضعف أو المرض، أدى ذلك إلى تضعضع الجماعة وتفككها. فبغياب الثقة يسيطر الشك وتعم البلبلة ويضعف الإيمان وتغيب التضحية وتتسلط النزعات الفردية على حساب المصلحة العامة. والتضحية لا تبذل من دون الثقة، ثقة الشعب بنفسه، بقياداته، وبالقضية المقدّسة التي يناضل من أجلها مقدماً التضحيات الجِّسام… لذلك يعتبر سعاده أن “فقدان الثقة هو أعظم النكبات التي يمكن أن تحلّ بكيان او نظام”.[18]

ولأن الثقة هي الحجر الأساس في عملية البناء القومي لا بل هي لحمة البناء وطينه، فتعاليم سعاده تسعى إلى زرعها في النفوس وإلى تعزيزها وتوفير كل مستلزماتها. وأهم هذه المستلزمات هي “الصراحة الكليّة والجلاء التام”[19] والعمل الدائم بالارتكاز على النظام الدقيق والمؤسسات “التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل”.[20]

بالثقة وحدها نحقق النجاح والنصر الذي لا مفرّ منه ونبني حياة كريمة تليق بالشرفاء والأحرار، أما إذا غابت الثقة عن مجموعنا، فلن نحقق إلا الفشل والمآسي

القومية الاجتماعية هي دعوة لتعزيز الثقة بالوضوح والجلاء والصراحة والقدوة والعمل المثمر..

فتعالوا نعزز الثقة وروح العطاء من خلال التعقدن بالتعاليم القومية الاجتماعية وأخلاقها، التي نجد فيها كل الحق وكل الخير وكل الجمال لأمتنا. فالنهوض الحقيقيّ لا يكون إلا “بالخروج من التفسخ والتضارب والشك إلى الوضوح والجلاء والثقة واليقين والإيمان والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة”.[21] هذا هو معنى النهضة الحقيقي كما يحدده سعاده العظيم.

تعالوا نعزز الثقة بمواجهة حالات الميعان والتفكك والتفسخ والفوضى والشك والفئوية والأنانية والسطحية والفساد باللجوء إلى نظامنا الذي يحقق التوافق والتعاون و”يعطي الحزب وحدة عملية قوية وسريعة”[22] والذي “لا بد منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون نهضتنا العظيمة التي ستغيّر وجه التاريخ في الشرق الأدنى..”.[23]

تعالوا نعزز الثقة بنثر بذور اليقين والإيمان والوجدان القوميّ وبتعميق الثقافة القومية الاجتماعية، ثقافة الواجب القومي والوحدة الروحية والإرادة الواحدة، ثقافة العطاء والتضحية والإخلاص، ثقافة الإصلاح والأمل والانتصار.

بالثقة وحدها نحقق النجاح والنصر الذي لا مفرّ منه ونبني حياة كريمة تليق بالشرفاء والأحرار، أما إذا غابت الثقة عن مجموعنا، فلن نحقق إلا الفشل والمآسي.

[1] أنطون سعاده في مغتربه القسري 1939، الآثار الكاملة  6، ص 264-265.

[2] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 33.

[3] أنطون سعاده، الآثار الكاملة – الجزء الثالث 1937، ص 54.

[4] المرجع ذاته، ص 54.

[5] المرجع ذاته.

[6] المرجع ذاته، ص 19.

[7] أنطون سعاده في مغتربه القسري 1942، الآثار الكاملة 10، ص 47.

[8] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 108.

[9] ملحق رقم 4، خطاب الزعيم في دده – الكورة 17/10/1948، صدى الشمال ـ صوت الجيل الجديد، بيروت، العدد 7، 8/7/1958

[10] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 108.

[11] المرجع ذاته، ص 33.

[12] المرجع ذاته، ص 31.

[13] المرجع ذاته، ص 34.

 [14] سعاده في الأول من آذار، ص 27.

[15]  أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 33.

[16]  أنطون سعاده، الآثار الكاملة- مرحلة ما قبل التأسيس – الجزء الأول، “مبادئ أساسية في التربية القومية”، ص 233.

[17] أنطون سعاده، الآثار الكاملة- مرحلة ما قبل التأسيس – الجزء الأول، ص 233.

[18] أنطون سعاده في مغتربه القسري 1942، الآثار الكاملة 10، ص 60.

[19] أنطون سعاده في مغتربه القسري 1939، الآثار الكاملة  6، ص 265.

[20] سعاده في أول آذار، 1956، ص 48

[21] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 16.

[22] أنطون سعاده، الآثار الكاملة – الجزء الثاني 1932- 1936، ص 242.

[23] أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 32.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى