محطات مضيئةمن تاريخنا

مهرجان يوم الاصلاح في ضهور الشوير عام 1946

الأمين لبيب ناصيف

في أول ايلول 1946 اقام الحزب في بلدة «ضهور الشوير» احد أهم مهرجاناته في الفترة التي كان فيها سعاده ما زال في الأرجنتين. وعن ذلك المهرجان يروي الأمين بشير موصلي في الصفحات 103 105 من مؤلفه «55 عاماً على خطى سعاده» التالي:

«تأكد الآن انّ سعاده أصبح في طريقه الى الوطن. وأيقنت يومها أنني سأكون في استقباله مع عشرات ألوف المستقبلين. وكان أول «تواصل» غير مباشر له مع القوميين في الوطن في اول ايلول عام 1946 عبر رسالته التي تُـليت في مهرجان «يوم الاصلاح» الذي أقيم في «اوتيل قاصوف» بين غابة بولونيا وضهور الشوير على يمين الطريق باتجاه الشرق. حضرتُ المهرجان مع منفذية حمص. وجلست على سور الدرج الحجري الأبيض أمتع نظري بذهول في ذلك الحشد الهائل، وهو أول حشد من نوعه اراه في حياتي ولم أكن قد بلغت الثامنة عشرة من عمري بعد، كنت كما الجميع نعتقد ان المفاجأة الموعودة التي ستظهر في المهرجان هي عودة سعاده، قبل ان نتبين انها رسالة بخط سعاده أرسلها من المهجر.

«في الطريق الى المهرجان كنا نتلاقى مع وفود كبيرة قادمة من جهات اخرى مختلفة، وكلّما تلاقى موكبنا مع تلك المواكب الاخرى عند المفارق او الشوارع المؤدية الى مفرق ضهور الشوير نتبادل الهتاف بحياة سورية وسعاده، وتلفت أعلامنا الحزبية المرفرفة فوق سياراتنا النظر بالزوبعة الحمراء وسط الدائرة البيضاء يحيط بها سواد جليل، والسبب أنه لم يكن في موكبنا اي علم من العلم الهجين البديل لعلم الحزب، وهو علم «الواقع اللبناني» ولونه ابيض فيه دائرة بإطار أسود وسط خطوط سوداء عريضة ورفيعة على خلفية بيضاء، والدائرة فيه مقسمة الى أربعة أقسام متساوية بيضاء وحمراء، وعلى كل قسم كتبت كلمات «واجب، قوة، حرية، نظام»، ولان معظم الوفود من لبنان كانت تحمل العلم «الهجين»، ما عدا بعض المواكب اللبنانية التي كانت تحمل علم الزوبعة مثلنا ومثل وفود الشام وحماه وحلب واللاذقية والجزيرة ودير الزور والجولان والسويداء ودرعا وتلكلخ وصافيتا وطرطوس وغيرها. وحتى اليوم لا ازال اذكر كيف كان قلبي يخفق وتزداد نبضاته وتمتلىء عيناي بالدموع وأنا أسجل تلك اللحظات كلما التقينا موكباً تنبعث منه الاهازيج والأغاني الحزبية الحماسية «يا زوبعة الله معك…«

«طبول قروية تقليدية ومزامير ريفية وصاجات ورؤوس تمتد من النوافذ. ومن حين الى أخر يجري تبادل الهتاف الحزبي فينادي مسؤول التدريب: «يا أبناء الحياة لمن الحياة؟ «ويأتيه الجواب يملأ الفضاء: «لنا»، وتزداد نبرته حدة وهو يسأل بصوته الجهوري: « ولمن نحيا ؟» ويرد الجميع: «لسورية». «ومن هو قائدنا؟» وبصوت واحد: «سعاده»، وعندما يقول: «يحيا سعاده» عدة مرات يأتيه الجواب كما في السابق: «يحيا… يحيا… يحيا«

 

«يصعب على ايّ قلم او ايّ حزبي عاش تلك اللحظات ان يصف مشاعر اولئك الشباب والطلائع والحماس يغطيهم من الرأس الى القدم، معظمهم يلتقون لأول مرة في مهرجان يجسّد وحدة الأمة بكاملها والوطن بأجزائه كافة على مسافة أشهر من اول احتفال بعيد الجلاء في الشام في 17 نيسان 1946 ولأول مناسبة بعيد الاستقلال في لبنان في 22 تشرين الثاني 1946.

«رفقاؤنا حضروا من فلسطين ومن الأردن ومن لبنان ومن الشام، من جميع الطوائف والمذاهب، هتافهم واحد «تحيا سورية» يوجههم إيمانهم الواحد «توحيد سورية» يوم كان السفر والتنقل بين دول كيانات سورية الطبيعية كلها طبيعياً وأفضل وأسهل مما صار إليه بعد «الاستقلال» وكأنه جاء استقلالاً لتلك الكيانات عن بعضها في الوطن الواحد.

«ذلك اليوم كان اول تواصل غير مباشر بين سعاده وأعضاء حزبه، وأكثريتهم انتموا الى الحزب في غيابه. لم نتعرّف عليه ولم نلتق معه ولم نسمع صوته ولم نر صورته بسبب الانتداب والحرب. وها نحن اليوم في ضهور الشوير على موعد معه نستمع الى رسالة منه بخط يده قبل ان يصل الى الوطن بستة أشهر قال فيها:

«أيها القوميون الاجتماعيون، من هذا البعد السحيق من البلاد الكريمة الحسنة الضيافة ومن هذا الأسر الطويل في نزالتنا التي نفت نفسها نفياً في هذه الارض، ارسل لكم سلامي القومي «.

«عند هذا المقطع من الرسالة استمر التصفيق والهتاف المنسق دقائق طويلة متواصلة، ولم يفلح الانضباط ولا النداء بتوقفه. كان العطش والشوق يملآن الصدور. ها هو سعاده يخاطبهم ويتوجه إليهم مباشرة. وها هم يتحدون علم «الواقع اللبناني». الى ان يقول: «إنّ الحقيقة والتاريخ يشهدان لكم أمام العالم كله انه لم يقم في لبنان اصدق فئة لخير شعبه منكم، ولا دعوة فيه وفي الشام وفلسطين وشرق الاردن اصح من دعوتكم، ولا في العالم العربي كله منهاج لتعاون الأمم العربية تعاوناً علمياً ناجحاً أصوب من منهاجكم»، «إن نفسي تبارككم وأرجو ان اكون قريباً معكم ووسطكم بجسدي كما أنا معكم ووسطكم بروحي لنتابع إنشاء تاريخنا ونغير وجه هذه الامة ووجه العالم العربي«

«لا أملك اليوم الكلمات لأصف مدى الحماس والتصفيق والهتافات لسعاده دقائق طويلة برهنت لرئيس الحزب المنحرف عن المبادئ ان مشروعه بتحويل الحزب من الواقع الاجتماعي السوري الى «الواقع اللبناني» أصبح بحكم المعدوم، وأن سعاده لا يزال متمسكاً بمبادئ الحزب وتوحيد كيانات الهلال السوري الخصيب كما جاء في رسالته.

«انتهى المهرجان عصراً، وعادت الوفود من حيث اتت من دون ان يقع حادث يعكّـر صفو الامن او يزعج احداً بفضل التنظيم البديع والالتزام الرائع بالتعليمات والتخطيط. وعاد الحزب يجذب اهتمام المواطنين وتعاطفهم بعد غياب حوالي تسع سنوات.

وعن المهرجان المذكور يروي الأمين عبدالله قبرصي في الصفحات 131 132 من الجزء الثاني من مذكراته:

«أعود لأكتب عن يوم ضهور الشوير في صيف 1946. خلال هذا العام كان قد تمّ اتصالنا بالمعلم في الارجنتين عن طريق اميركانيا. كان غسان تويني قد سافر الى «هارفرد» مفوضاً عاماً للولايات المتحدة، وكان قد أصبح مركز ارتباط لنا بسعاده. عدا انه تبادل معه رسائل هامة جداً، لا نزال نقرأ فيها بعضاً من تاريخ الحزب، وبعضاً من شروح لمبادئه وفلسفته بعد ان طبعت في النظام الجديد طبعة دمشق .

«وجه سعاده بضع رسائل الى المجلس الاعلى، اذكر ان رئيس المجلس نعمة ثابت لم يطلعنا على احداها، لأن فيها نقداً لبعض الافكار والمواقف الحزبية التي اتخذناها في غيابه، ويبدو لي من مراجعة رسائل سعاده، انّ ما أرسل منها الى نعمة ثابت، وكنت قد اطلعت على أكثره لم ينشر، اما لأنه أتلف او لأنه فقد.

«المهمّ انّ اجتماع ضهور الشوير في صيف 1946 انعقد تحت شعار: مفاجأة سارة.

كلّ الرفقاء تقريباً والمواطنين ظنوا انّ سعاده وصل الى الوطن سراً وانه سيظهر فجأة في ضهور الشوير ويلقي خطاباً.

«الشوق الى المعلم كان قد بلغ اعلى ذراه عند القوميين وعند اصدقائهم وعند المعجبين بالحزب وبه. لذلك تنادى الناس الى ضهور الشوير في فندق القاصوف من كل حدب وصوب من آخر حدود الشمال الى آخر حدود الجنوب. والقوميون الاجتماعيون زحفوا بالآلاف يعللون النفس بلقاء قائدهم.

«كنت اصطاف في بيت مري، وكانت المواكب تمر عبرها، او تمر عبر بكفيا او تأتي مباشرة عن طريق قرنايل ـ بزبدين ـ المتين. كنت أخشى ان يعطل الكتائبيون المسيرة في بكفيا… كنا نعرف انهم يكيدون لنا ايما كيد رغم انّ مساعي للتوفيق بيننا كانت تُبذل في ذلك الزمان على يد الأستاذ كمال جنبلاط. سارعت الى بكفيا ووقفت على احدى الشرفات اراقب الزاحفين… كان منظرهم رائعاً. كل «بوسطة» تحمل اضعاف طاقتها. القوميون ـ وقد طُــلب منهم ان يمروا في بكفيا صامتين لئلا يُعتبر هتافهم تحدياً واستفزازاً ـ ما نفذوا الأوامر بدقة. كانوا يهزجون في قلب بكفيا ويهتفون وقد بحّت حناجرهم. لم يعترضهم معترض.

«مشهد المواكب الزاحفة الى ضهور الشوير، كان بالنسبة لي ولزوجتي التي كانت ترافقني مشهداً مثيراً، يستمطر الدموع الفرحة. انا عاطفي في الأوقات التي لا مجال فيها إلا لانسياب العاطفة من القلب كانسياب المياه من الينابيع. كان ذلك اليوم عرساً من أعراس الحزب. تماماً كعرسه في بعقلين… فكيف لا نطير فرحاً واعتزازاً..

«كانت جاذبية ضهور الشوير في ذلك المهرجان الضخم فعالة ومؤثرة اكثر من أية قرية او مدينة اخرى في الهلال الخصيب…! الا يذكر القراء خطابي في رفقاء الشوير في ايلول عام 1935 يوم انتدبت بوصفي عميداً للاذاعة لأعرّف القوميين بزعيمهم الذي أقسموا له يمين الولاء دون ان يعرفوا شخصه… الم أقل انّ المسلم يحجّ الى الكعبة، والمسيحي الى القدس، اما السوريون القوميون فالى ضهور الشوير يحجون…!

«ضهور الشوير اذن محجة لنا وارض مقدسة! لذلك زحفت جموع القوميين وحشودهم بحماس وكثرة عددية هادرة…

«في الضهور اصطفّ القوميون من الساحة حتى ما بعد فندق القاصوف الكبير. وكان السير مؤمّناً والسيارات تصطف في الأمكنة المعينة لها دون تفلت او فوضى او صخب…

«كان الرفقاء يلفتون النظر بصفوفهم العسكرية ومشيتهم المنتظمة، يخترقون الحشود بين التصفيق والهتاف»، الحفلة ابتدأت في الثالثة بعد الظهر. الناس كانت تشرئب اعناقها، منتظرة المفاجأة. وكانت المفاجأة رسالة من سعاده تليت على الجماهير.«

.

وننقل بعض ما اوردته جريدة «الزوبعة» بيونس ايرس في عددها بتاريخ 20/01/1947 عن مهرجان ضهور الشوير:

«كان اختيار الشوير، مسقط رأس الزعيم، مكاناً للمهرجان المذكور حافزاً لجميع فروع الحزب في سورية القومية، فقدمت وفود عديدة للاشتراك في مهرجان المتن، وكان عدد السيارات التي أقـلـّت الوفود المذكورة، التي أتت رغبة في الحج الى مسقط رأس مؤسس النهضة القومية الاجتماعية وموحّـد الامة بتعاليمه ومبادئه الإصلاحية، خمس مئة سيارة، كثيـرٌ منها باصات وما شاكلها، والباقي سيارات ركاب لخمسة او لثمانية اشخاص، وكانت الوفود اكثر من ان تحملها السيارات المذكورة ضمن نطاق مقاعدها الاعتيادي، فكانت كل سيارة تحمل ضعف ما تتسع له مقاعدها وأكثر، حتى ان الشباب كانوا يغطون السيارات بأجسادهم تغطية حرفية، وتحجبها عن الانظار.

«ومما يجدر بالذكر ان وفوداً أتت من مناطق بعيدة ـ من الشام وفلسطين وشرق الاردن ـ فكان مهرجان ضهور الشوير مظهراً فخماً من مظاهر وحدة الامة ووحدة النهضة القومية الاجتماعية، وانتصاراً رائعاً للحزب القومي الاجتماعي في لبنان.

وكانت إدارة الحزب القومي الاجتماعي العليا قد اتصلت بالزعيم سائلة إياه توجيه رسالة الى الاجتماع فأجاب ملبياً ووجّه الى القوميين الاجتماعيين اول رسالة مباشرة منه إليهم بعد الحرب العالمية الاخيرة.

كلمة سعاده المرسلة من مدينة تكمان الارجنتين

انكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ

صدى النهضة، بيروت، العدد 132، 02/09/1946

 

أيها القوميون الاجتماعيون،

من هذا البعد السحيق ـ من هذه البلاد الكريمة الحسنة الضيافة،

من هذا الأسر الطويل في نزالتنا التي نفت نفسها نفياً الى هذه الأرض، ارسل إليكم سلامي القومي وأهنئكم وجميع الشعب بنتائج جهادكم، وبهذه الثمرة الاولى من ثمار عملكم القومي الاجتماعي.

وأهنّئ رئيس الجمهورية اللبنانية وحكومته وجميع فئات الشعب في لبنان الذين صاروا وإياكم يداً واحدة على ارادة الاحتلال الفرنسي.

ايها القوميون الاجتماعيون،

أنتم أول فئة وقفت في هذه الأرض لتعلن بعزيمة ماضية انها ترفض الأمر الواقع الذي فرضته الإرادة الاجنبية على أمتنا ورمت الى تثبيته نهائياً.

إنّ حزبكم القومي الاجتماعي هو الحزب الذي أيقظ الأمة الى حقيقتها، وأوضح لها قضيتها بجميع فروعها، ونشر علم الزوبعة راية الجهاد القومي المقدس ضدّ المطامع الاستعمارية الأجنبية، وجهر برفض ذلك الاستقلال الوهمي السخري الذي أعلنه قائد الجيش الفرنسي المحتل بعد ان كانت سلطة ذاك الاحتلال قد قبضت على أعضاء مجلس إدارة لبنان المنتخبين من قِبَل الشعب ونفتهم الى جزيرة كورسيكة الفرنسية، دائسة المبادئ الديمقراطية التي كانت تتبجح بها وهازئة بإرادة الشعب ونوّابه.

إن حزبكم القومي الاجتماعي هو الذي حارب الإرادات الأجنبية الطامعة فينا جميعها وقاوم غاياتها مقاومة فاهمة، بينما كانت جميع الفئات السياسية والمؤسسات القديمة والرجعية تتسابق بلا استثناء لاكتساب رضى القوة الأجنبية المحتلة ولنوال الحظوة في عينها.

نحن الحزب الوحيد الذي قال للشعب في لبنان إنّ لبنان قد فُصل عن الداخل ولكنه لم ينل استقلالاً، بينما الشركات السياسية والمؤسسات اللاقومية كانت تنادي انّ لبنان مستقل فعلاً وتدعو الناس الى التعييد لذاك الاستقلال الوهمي، وتقول فينا إننا كفرة بلبنان و «بنعمة» لبنان لأننا أعلنّا وجوب تغيير تلك الحالة السيئة، ولأننا أعلنّا الجهاد وباشرنا العمل البنائي لإنشاء استقلالنا القومي الصحيح، وإزالة ذاك الاستقلال الاحتلالي المشؤوم عن أرضنا القومية بجميع أشكاله وألوانه.

بينما كانت جميع الشركات السياسية المحدودة والمغفلة، المنتشرة في طول بلادنا وعرضها، تضلل الشعب بمخرقاتها وشعوذاتها الوطنية، وتزيد الأمة تفسيخاً وتمزيقاً بنكاياتها الشخصية وغاياتها الطائفية المتنافرة، كنا نحن عاكفين في الأمكنة المكتومة التي كنا نجتمع فيها، على تكوين حياتنا القومية وعلى تحقيق الإصلاح الذي نصت عليه مبادئ نهضتنا.

ووسط السجون والاضطهادات والتشريد تابعنا نشر الوعي وأعمالنا الإصلاحية، وامتدّت دعوتنا في جميع مناطق وطننا وتغلغلت في جميع اوساط الامة، وفي ذاك العراك العنيف كم سمعنا قهقهة هزؤ القائلين: أأنتم تريدون زحزحة فرنسة عن هذه الأرض، فكتمنا آلامنا من هذه الجهالة الصارخة وتابعنا جهادنا وعملنا بالاطمئنان المستمدّ من إيماننا القومي ويقيننا بالنصر.

أخيراً، سقطت فرنسة في الحرب العالمية الاخيرة بظلمها وفساد حياتها وضعف سياستها، فأدرك جميع المشككين أنّ عملنا لتوحيد أمتنا ودعوتنا الى الاعتماد على أنفسنا هما عمل إيمان صحيح ودعوة حق مبين.

لقينا أخيراً أول نتيجة محسوسة مزدوجة لإيماننا بقضيتنا وصبرنا على الشدائد، لقينا توحيد المجهود ضدّ المطامع الأجنبية بين لبنان والشام، ولقينا «الإصلاح الدستوري» في لبنان يتبع الإصلاح الشعبي الذي حققنا شيئاً كثيراً منه.

إنّ الحقيقة والتاريخ يشهدان لكم أمام العالم كله انه لم يقم في لبنان أصدق فئة لخير شعبه منكم، ولا دعوة فيه وفي الشام وفلسطين وشرق الأردن أصحّ من دعوتكم، ولا في العالم العربي كله منهاج لتعاون الأمم العربية تعاوناً عملياً ناجحاً أصوب من منهاجكم.

فإذا تمسكتم بإيمانكم القومي الاجتماعي الذي هداكم الى الحق كلّ التمسك الذي لزمتموه حتى الآن، وصبرتم على الشدائد والمكاره كلّ الصبر الذي يحتله طيب عنصركم، فإنكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ.

ايها القوميون الاجتماعيون،

ما أعظم رضاي عنكم، وما أشدّ اعتزازي بكم، وما أروع الانتصار الأخير الذي أسير بكم إليه.

فليس هذا الإصلاح آخر إصلاح نريده، وليس هذا الاستقلال كلّ الاستقلال الذي نبتغيه. إنّ نفسي تبارككم، وأرجو ان أكون قريباً معكم ووسطكم بجسدي، كما أنا معكم ووسطكم بروحي، لنتابع إنشاء تاريخنا وتغيير وجه هذه الامة ووجه العالم العربي.

كان سعاده كتب بتاريخ 9/08/1946 إلى الرفيق محمد شمنق (منفذ عام حمص)  وبتاريخ 14/08/1946 إلى الرفيق الأب بولس مسعد (مؤلف كتاب «همجية التعاليم الصهيونية«) وبتاريخ 14/08/1946 إلى الرفيقة أملي الحلبي يرغب إليهم إيصال كلمته، المعدة للإلقاء في مهرجان الشوير، وذلك حرصاً منه على ان تصل كلمته قبل الموعد المحدّد للمهرجان.

من الرسائل الثلاث، نكتفي بإيراد رسالة حضرة الزعيم الى الرفيقة املي الحلبي.

«أيتها الرفيقة العزيزة،

لا أزال اذكر وأقرأ أحياناً كتبك إليّ في أثناء الحرب. إنّ قيمتها باقية.

أترك الآن أمر التصفيق بيد واحدة لأبعث إليك والى أهل بيتك سلامي القومي. ولأكلفك بإيصال الرسالة المرفقة بهذا الكتاب الى المركز في بيروت بطريقة مأمونة وبغاية السرعة.

أترك الرسالة مفتوحة وهي موّجهة الى الرفقاء في مهرجان الشوير الذي يجري في 25 الشهر الحاضر(1)، فإذا كان من حظها الوصول الى يدك قبل ذاك اليوم، أو في ذاك اليوم عينه، فيمكنك استعمال التلفون وقراءة الرسالة للذين يعنيهم الأمر.

أكتفي الآن بما تقدّم لأنّ الساعة متأخرة والى فرصة أخرى. ولتحي سورية«

هوامش:

 

1ـ كان مقرّراً عقد المهرجان في 25 آب 1946، ثم تمّ تأجيله الى أول ايلول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى