ميسون قربان: الأمّ تخُطُ بأناملها أنوثة الانتصاروتخُطُ مسيرة نضال ووجدان كلّ ثائر فيولدُ لنا أدونيس من ظلمات الموت الحالكة ويعود إلينا عوّاد ومن شابههُ من رجال رجال
لأنها تختصر أسمى معاني العطاء وتزرع الأمل في القلوب تستحق كلّ الحب ولها تتشكل الكلمات بإيقاع مختلف قد لا يفيها حقها.
هي الأمّ والأخت واليد التي تمسح عن جبين الزمن وجع الأيام، هي الشريكة في المقاومة والتي لم تبخل في سبيل أمتها بأغلى ما تملك، فكانت أم الشهيد والمناضلة والصامدة، يليق بها العيد دون أن يقترن بتاريخ محدّد، وكلّ يوم هو يومها دون أن يكون يوماً عالمياً متعارفاً عليه.
ولأنها القدوة وعنوان التضحية وبمناسبة عيدي الأم والمرأة العالمي، أقامت مديرية بعقلين التابعة لمنفذية الشوف في الحزب السوري القومي الإجتماعي صبحية في مجمع VCC – بعقلين، حضرته الأمينة أليسار أنطون سعاده، وممثلات عن تجمع النهضة النسائية، الاتحاد النسائي التقدمي، الجمعية النسائية الخيرية، جمعية رعاية المريض، جمعية ممكن ولجنة سيدات بيت بعقلين.
تعريف
بداية الحفل كانت كلمة تعريف وترحيب ألقتها يسرى حمزة، جاء فيها: «نقف اليوم لنحتفل بعيد ملاك الله على الأرض، بإنسانة جعل الله الجنة من تحت قدميها، عيد كلّ أمّ في كلّ بقعة من بقاع أمتنا السورية العظيمة، بعيدك أنتِ يا أمي».
أضافت: «أمي هذه الكلمة الصغيرة بعددِ حروفها والكبيرة بمعانيها، فالألف هي العطاء اللامتناهي إلى حدّ نكران الذات، والميم هي المحبة التي لا حدود لها، أما الياء فهي اليدُ التي تهز السرير بيمينها والعالم بيسارها.
أنت المدرسة والمعلمة التي زرعت فينا أصول المحبة والاحترام والأخلاق الحميدة والسلوك الحسن، فمن وجهك استشرف جبران خليل جبران وجه الأمة: «وجه أمي، وجه أمتي».
كلّ كلمات العالم وحروفها عاجزة عن وصفك أو حتى عن إعطائك جزءاً بسيطاً من حقكِ، يا ست الدنيا، يا أغلى وأثمن هدية لنا.
أنت المعنى وسبب وجودنا بل أنت الوجود كلّ الوجود، أنت ربيع شبابنا بل أنت الربيع كلّ الربيع، والسند كلّ السند.
أنت الحضن الدافئ والملاذ الآمن والصدر الرحب والقلب الذي لا يخفق إلا لينطق باسم فلذات أكبادك.
أنت وأنت وأنت… فكلّ كلمات العالم تنحني خجلاً أمام عظمة تضحياتكِ يا بداية «مروية» بنبع من حنان لا ينضب ولا يجفّ على مدى الأجيال.
وهنا يستحضرني قولٌ لزعيمنا سعاده: «أمي وبلادي ابتدأتا حياتي وستلازمانها إلى الانتهاء فيا أيها الإله أعنّي لأكون باراً بهما».
وأخيراً وليس آخراً اسمحوا لي أن أحمل شرف تقديم التهنئة لكلّ أمّ رسخت في نفوس أبنائها إيماناً بأنّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها، فكانت الشهادة المؤيدة بصحة العقيدة، انتصاراً لكلّ شهيد جبل أرض أمتنا بدمائه وروى ترابها بندى جسده.
ولك أمّ عزة وفخراً وشموخاً ما بعده شموخ، ولنا قلادة معلقة في أعناقنا تذكرنا دوماً بعظمة القضية التي استشهد في سبيلها وتحثنا على إكمال مسيرته، فشهداؤنا هم طليعة انتصاراتنا.
كلمة الأمهات
وألقت السيدة ندى أبو كامل كلمة الأمهات وجاء فيها: «في هذا اللقاء الذي يجمع مناسبتين، يوم المرأة العالمي وعيد الأم، نتقدّم بالشكر لرفيقات مديرية بعقلين لدعوتهن وأيضاً لإعطائي فرصة إلقاء كلمة الأمهات.
إنني اثمّن هذه المبادرة وأثمّن أيضاً الدور الكبير الذي تبوّأته المرأة في مسيرة النهضة، سواء إنْ كان في انتمائها، أو في تحمّلها أعلى المسؤوليات، أم في خوضها أقسى المواجهات حتى العسكرية منها، وحتى في الاستشهاد قدّمت النموذج الحي لنساء بلادي».
وتابعت: «أعطت الأمم المتحدة يوم المرأة العالمي عام 1975 بعداً عالمياً تكريساً لإنجازاتها وتعزيزاً لحقوقها بعد أن عملت على تحقيق مبدأ المساواة منذ العام 1945.
انّ المرأة في يومها العالمي ماضية إلى الأمام لا تنظر الى ما فرض عليها من قيود وما تكبّلت به من عصبيات قبلية جاهلية منطلقة إلى مشاركة فاعلة ومساهمة في نهضة إنسانية تقودنا إلى حتمية الدور بجدارة وقدرة.
وللمرأة تاريخ حافل، ننحني إجلالاً للواتي قدّمن أرواحهن في سبيل تحرير الأوطان وذقن عذابات السجون والمعتقلات، كلّ ذلك من أجل رفعة المجتمع وحريته. ومهما تبدّلت أدوارها ظلّت بروحها تجمع كلَّ الصفات، هي المعطاءة عن سابق تصميم، سيدة في البناء والتطوير.
الأمّ حاضنة الإنسانية وحارسة الحلم، هي المنصهرة والمعجونة بالصبر والرقة والحنان، الزاهدة، المتواضعة، كم من أمّ أضاءت ثريا وانطفأ منها شمعة وأكثر وبقيت تنير العتمة بإرادة وصبر».
وختمت: «عند الخوف تلجأ إليها وعند الفرح هي أصدق من يشاركنا، مهما حطت بها الأقدار تبقى مظلة الأمان تجعل من الحلم حقيقة وواقع، هي الحب الذي لا يشيخ. وكم منهنّ كنّ أمهات بالمسؤولية والدور، ربّين أجيالاً ورعين مرضى، وغرسن قيماً في المجتمع تمثلت تضحية وعطاء، لهنّ كلّ التحية والتقدير والإكبار.
في الختام لا أرى أثمن من الوفاء هدية للأم في عيدها. دمتم رائدات محبة ومنبع سعادة وأمل».
كلمة التعليم التربوي
وألقت المربّية وفاء برجاس كلمة القطاع التعليمي والتربوي وجاء فيها: «تحية إلى المرأة، تحية إلى الأمّ في هذا اليوم المجيد، إنه يوم المرأة العالمي وعيد الأم حدثٌ واحدٌ متلازمٌ، والاحتفال السنويّ بمثل هذا اليوم هو رمزٌ لنضال المرأة وتأكيدٌ لحقوقها. وتأتي المدرسة في طليعة هذا النضال حيثُ يقع على عاتقها صقل النفوس وإعداد الطالب ليكون إمكانية فاعلة في بناء المجتمع وتحقيق أهدافه القومية. من هنا أشارت رسالة النهضة وفلسفتها إلى دور الطلبة كنقطة ارتكاز في بناء مجتمع المعرفة.
إنّ تربية الأجيال مهمة كبيرة وامتيازٌ عظيمٌ، وإنّ إعداد النشئ إعداداً سليماً معززاً بثقة النفس هو الأساس في تحقيق غاية النهضة ومقاصد الحزب في تظهير مجتمعِ الحق والخير والجمال.
إنّ احتفالنا اليوم هو رمز لنضال المرأة سواء كانت أماً أو مُدرِّسة، فتضحياتها كأمّ لا حدودَ لها ولا يمكن حصرها، وهي كمدرِّسة تتولى تربية الأجيال وتعليمها واستنباط المواهب والمهارات والارتقاء بجودة الحياة للوصولِ إلى المساواة في الحقوقِ والواجباتِ، والمساهمة في تحريرِ التصحُّرِ الفكري من قيودِ المناهجِ الموروثة».
أضافت: «كم نتمنّى في هذه المناسبة أن يُصحَّحَ كتاب التاريخ ليتبيّن تاريخنا الحقيقي ويلقي الضوء على نضالاتِ المرأة ومقاومتها في محطاتٍ قوميةٍ هامةٍ.
إنّ تربية الأجيال مسؤولية الأمّ والمدرسة على السواء، كلاهما شريكٌ في إنتاج مجتمع خالٍ من الأمراضِ والعصبياتِ يسود فيه الوعي من أجل مستقبلٍ أفضل.
من هنا نؤكد في هذه المناسبة على نيلِ المرأة حقوقها كاملة والمساواة في كافة المجالات السياسية والاجتماعية كي تأخذ دورها في معركة المصير القومي. فالأمّ مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق».
كلمة مديرية بعقلين
وألقت ميسون قربان كلمة مديرية بعقلين، وجاء فيها: «في آذار تزدحم الولادات والأعياد، وكلها مناسباتُ عطاء وتضحيات …
الأول من آذار، ميلادٌ منحَ التاريخ معنى، إشراقة نور، شعاع وعي، نهضة حياة وحرية، رسالة حق وخير وجمال.
وفي عيدي الأم والمرأة العالمي، نُحيي المرأة في بلادي، المرأة التي وصفها أنطون سعاده بأنها أم المجتمع وليست نصفه، فالمرأة في حياتنا مُجتمعٌ مُتكامل أنشأت مُقاتلاً، شَغَلت منصباً، أعطت دروساً إذاعية، هَزَّت مَهدَ صغيرها بيسارها ورفعت لهُ يمينها يوم استشهد.
أعطاها سعاده المساواة الكلية بالرجل منذ كتب مواد دستور الحزب في ثلاثينيات القرن الماضي فلها حق الإنتماء والإنتخاب والترشح وغيرها… بينما على سبيل المثال لم يُعطِ القانون الفرنسي المرأة الفرنسية حق الإنتخاب إلا سنة 1945».
وتابعت قربان: «للأسف في مجتمعنا ما زالت المرأة حتى يومنا هذا تعاني من إجحاف كبير في حقها إن كان من ناحية حق منحها الجنسية لأولادها أو حق الإرث والحضانة والرعاية في ظلّ القوانين البالية. لذلك علينا أن نعمل سوية من أجل إقامة نظام اجتماعي سياسي جديد يكفل حق المرأة ومساواتها التامة مع الرجل لتصبح تلك المطالب حقيقة من صميم عملنا وليست مسألة ترف فكري أو تطور اجتماعي من تلقاء نفسه علينا انتظاره.
إنّ المرأة الأمّ، هي مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّبَ الأعراقِ. ففي الحضارات القديمة التي مرّت على سورية كان عيد الأمّ هو عيد آلهة الخصب وتجدّد الحياة إينانا أو عشتار، ومن أكثر من الأمّ يجسّد ربيع الحياة؟ فالأمّ هي مربية الأجيال، هي عنوان العطاء دون مقابل والتضحية والتفاني، وهي الزوجة المدركة التي في عهدتها ينطلق الزوج رجلاً في رحاب الإبداع وفي حلبة التحقيق البطولي وبفضل فضائلها الكبيرة تعطي دعائم العائلة القدوة.
من هنا وفي هذه المناسبة الجامعة الأولى وليست الأخيرة نقول بإسم مديرية بعقلين في الحزب السوري القومي الإجتماعي، تحية إلى المرأة المبدعة والمناضلة في مختلف الميادين، العلمية منها، والثقافية، والسياسية، والاجتماعية. فسلوى نصار كانت أول عالمة في الفيزياء والذرة الكونية في لبنان والأمينة نضال الأشقر فنانة مسرحية لعبت دوراً أساسياً في تحريك الفن المسرحي اللبناني وعلى مستوى العالم العربي والسيدة فيروز من أعظم مطربي العالم أما الأمينة الأولى جولييت المير فكانت مثالاً للعطاء والتضحية والمقاومة.
تحية لهن جميعاً… تحية الى المرأة التي استشهدت في مواقع العز والبطولة في لبنان وفلسطين والشام والعراق …
تحية إلى رفيقاتنا اللواتي نفذن العمليات الاستشهادية: سناء محيدلي، ابتسام حرب، نورما أبي حسان، مريم خير الدين، وزهر أبو عساف. وفي يوم المرأة نجدّد التأكيد على وقوفنا الى جانبها في نضالها لنيل حقوقها كافة، فتَقَدُم المرأة شرط لتَقدّم المجتمع ونهوضه.
ونقول أيضاً، تحية الى كلّ أمّ، ونخصّ بالذكر اللواتي فقدن فلذات أكبادهنّ ليحيا الوطن، فإلى أمّ كلّ شهيد في وطننا والى أمّ كلّ مناضل وأمّ كلّ مبدع وقائد في أيّ ميدان من ميادين المعرفة والنضال، إليهن خالص تقديرنا وشكرنا ومحبتنا وإحترامنا. ونردّد مع مارسيل خليفة أجمل الأمهات التي انتظرت إبنها وعاد مستشهداً.
وأخيراً هذا العمل ليس قومياً ولن يكون، إلا حين تخُطّ بأناملها أنوثة انتصاره، وتروي بعذب مخارج حروفها توجيهات عقائدية تخُطّ نضال ووجدان كلّ ثائر.. فيولدُ لنا أدونيس من ظلمات الموت الحالكة، ويعود إلينا عوّاد ومن شابههُ من رجال رجال. وكما يقول المثل الشعبي: الدنيا أمّ، وكلّ عام وأنتن بخير».
تكريم
تخلل الحفل تكريم الأمينة أليسار سعاده والرفيقة فوزية الغصيني لعطائهن ونضالهن الحزبي المستمر.
وقد توجهت الرفيقة يسرى حمزة بكلمة لهن قالت فيها:
تقديراً لعطائهن ولتضحياتهن ولكونهن مثالاً ومفخرة وقدوة لأجيالنا القادمة، كان من الواجب علينا أن نكرّم سيدات من بلادي.
بما أنّ عيد الأمّ هو عيد العطاء الذي لا حدود له، اسمحوا لنا أن نكرّم إنسانة مجبولة بعطاءٍ لامتناه لنهضة غيّرت وجه التاريخ بفعلِ حزبٍ قام على مبادئ ثابتة وعقيدة بناءة قوامها الحرية والواجب والنظام والقوة.
إنسانة برّت بقسمها إلى أبعد حدود فبنت عائلة سورية قومية اجتماعية بجدارة، كانت ولا زالت من أوائل المناضلات في سبيل استمرار نهضتنا القومية واستمرار الحزب في عطائه، تسلّمت مسؤوليات مركزية عدة، حائزة على رتبة الأمانة، إنها الأمينة أليسار سعاده إبنة مؤسس وزعيم حزبنا الخالد أنطون سعاده.
أما الرفيقة فوزية حامد الغصيني فهي بدأت مسيرة نضالها منذ 55 عاماً ولا تزال من أوائل المناضلات والعاملات في صفوف حزبنا حتى يومنا هذا. إنها أكبر الرفيقات سناً في مديريتنا ولم يثنها تقدّمها في السن يوماً عن قيامها بواجباتها الحزبية.
إيمانها العميق بما أقسمت عليه دفعها إلى بناء عائلة سورية قومية اجتماعية بامتياز.
حائزة على وسام الواجب، إضافة إلى وسام تفتخر وتعتزّ به كلّ أمّ في أمتنا السورية المعطاء إلا وهو تقديم فلذة كبدها شهيداً لقضية تساوي وجودنا.
تغطية: عبير حمدان