أنطون سعاده بذل النفس في سبيل القضية
كتب أ. علي الحاج حسن/ المسؤول الشبابي والطلابي في التعبئة التربوية في حزب الله
أنطون سعاده كتاب في مدرسة الحياة، في صفحاته ذلك الطالب الذي طلب العلوم من لبنان إلى البرازيل، والشاب الذي أنجز وأنجز ولم يهدأ، والمعلم الذي علم، وصاحب الكلمة المؤمن بحقانية قضيته، والمفكر الحر الذي نقد وطرح وناقش وكتب ونظر، ورجل وحدة الشعب والأرض والقضية، والزعيم في السياسة كما تليق أن تكون الزعامة.
نقرأ في هذا الكتاب فصلاً عن الوحدة. لقد كان الزعيم أنطون سعاده علماً من أعلام الوحدة، نادى بها شعباً وأرضاً وعقيدةً. وعاند بقوّته التقسيم والتقسيميين منذ وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو، حتى نقموا عليه. وكمن بحزمه لثلاثية التبعية والانعزال والتقوقع لأجل ثلاثية الوحدة والسيادة والنهضة منعاً للسقوط في مخططات الدول الغربية الاستعمارية، فلا نهضة بدون وحدة أو سيادة. أنظروا إليه كيف يتحدث عن فلسطين بعيداً عن إعلانات البعض الخشبية الواهنة والمستسلمة: “لعلكم ستسمعون من سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين، وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها”. وارتكازاً على ذلك، آمن بالعمل الحزبي الاجتماعي كضمانة لنهضة الأمة القومية، وخاطب السوريين القوميين: “أيها السوريون القوميون. أنكم ارتبطتم بعضكم ببعض وربطّتم أرواحكم بعضها ببعض، لأنكم تعملون في سبيل المبادئ التي جمعتكم بعضكم إلى بعض. فأبقوا منضمّين متضامنين وكونوا عصبة واحدة أينما سرتم وكيفما توجتهم”.
ونقرأ في كتاب أنطون سعاده فصلاً عنيداً عن المقاومة. الزعيم أنطون سعاده مثّل قامة فكر مقاوم إلى حدّ بذل النفس في سبيل القضية. ورّث المقاومة فكراً وعملاً لأجيال، وتخرّج من مدرسته الشهداء دفاعاً عن لبنان وسورية وفلسطين. واجه بقوة الكلمة والفكر والموقف وبالنار والحديد الفكر الاستعماري والاحتلال الفرنسي والمشروع الصهيوني والهيمنة الأميركية ودعاية الإمبريالية وخيانة الأنظمة. في هذا الفصل من الكتاب رسومات لسناء محيدلي وخالد علوان وأدونيس نصر ومعهم الآلاف من الشهداء والجرحى والمقاتلين، ومحطات وصور كثيرة للقوميين عن فلسطين منذ وعد بلفور إلى 48 إلى 67 إلى 82 و96 و2000 و2006، إلى سورية 2011، وما بعد بعد. فالمقاومة في فكر أنطون سعاده ليست مقاومة عبثية، إنما المقاومة الواعية الهادفة التي تحرّر الأرض والإنسان وتضمن الخير والارتقاء وتحقيق الأهداف. فهو القائل: “لا خير ولا ارتقاء… من دون الأرض”. والمقاومة التي نظر لها وعمل وفقها هي المقاومة القوية التي تنبثق من قوة الأمة لتحفظ الحق وتقاتل لأجله. وهنا يعتبر سعاده أنّ “الحق القومي لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره”. والأهمّ أنّ هذه المقاومة هي فعل مبدئي أخلاقي نبيل صلب العزيمة، تسمو على حياة الفرد لأجل حياة الأمة. وهنا نتوقف عند قوله: “كلّ خطة سياسية وكلّ خطة حربية مهما كانت بديعة ومهما كانت كاملة لا يمكن تحقيقها إلا بأخلاق قادرة على حمل تلك الخطة بأخلاق متينة، فيها صلابة العزيمة وشدة الإيمان وقوة الإرادة واعتبار المبادئ أهم من الحياة نفسها”. والبارز في هذه الرؤية أنه حسم أنّ المقاومة وفق هذه الشروط الضرورية لا ينتظر منها إلا الخير والحياة والنهضة، وهذه وصفة ما زالت وستبقى صالحة طالما استمرت أطماع القوى الغربية الاستعمارية والاستكبارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها، بمحاولة فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وحتى الثقافية على منطقتنا.
ومنذ البدايات وقبل النكبة وعى الزعيم فلسطين، وناصرها حقها ودافع عنها حتى الكلمة الأخيرة والنفس الأخير. وكانت رؤيته واضحة وحاسمة: أنّ المقاومة هي السبيل لاستعادة الأرض وأنّ السلام مع اليهود ممنوع. ومن يجمع إرث أنطون سعاده عن فلسطين يجد أنه كان يشكل بذاته جبهة للدفاع عنها في كلّ ما يمكن للمرء أن يدافع عنها، حتى أنه يمكن القول إنه ولو امتلك العرب حينها جيشاً يحمل أفكار وعنفوان أنطون سعاده لما سقطت فلسطين. لاحقوا مقالاته عن تحديده العدو وكيفية مواجهته، حيث قال: “إنّ لنا اتصالاً باليهود مشرّفاً هو اتصال الحرب والنار بيننا وبينهم، هو اتصال الأعداء بالأعداء وهذا الاتصال مشرّف بلا شك”. واعتبر في ما يمكن وصفه بالاستعداد الناظر لإسقاط الكيان المصطنع: “تقوم اليوم في الجنوب دولة جديدة غريبة (الكيان الصهيوني) كنت أترقّب قيامها… ولكني كما أعلنت قيام تلك الدولة أعلن اليوم محق تلك الدولة عينها، ليس بقفزة خيالية وهمية، بل بما يعدّه الحزب القومي الاجتماعي من بناء عقديّ وحربيّ يجعل من سورية قوة حربية عظيمة تعرف أنّ انتصار المصالح في صراع الحياة يقرَر بالقوة بعد أن يقرّر بالحق”. وأضاف في سياق متصل: “إن محق الدولة الجديدة المصطنعة (الكيان الصهيوني) هو عملية نعرف جيداً مداها. إنها عملية صراع طويل شاق عنيف يتطلب كلّ ذرة من ذرات قوانا لأنّ وراء الدولة اليهودية الجديدة مطامع دول أجنبية كبيرة تعمل وتساعد وتبذل المال وتمدّ الدولة الجديدة بالأساطيل والأسلحة لتثبيت وجودها”. أما في موضوع السلام فكانت رسالته المدوية لكلّ اللاهثين الهالكين في وهم السلام، حيث قال: “إنّ لنا في الحرب سياسة واحدة هي سياسة القتال. أما السياسة في السلم فهي أن يسلّم أعداء هذه الأمّة بحقها ونهضتها”.
أيها الشباب والطلاب، ونحن نعيش اليوم خيانة المطبّعين وغدر الموقعين على اتفاقات سلام الزور مع العدو الصهيوني، أنصتوا جيداً إلى ما قاله أنطون سعاده حول كيفية التعامل مع هؤلاء: “إنّ اليد التي تمتدّ لتوقّع الصلح مع اليهود تقطع من العنق”. وكانت وصيته لرفاقه جيلاً بعد جيل فلسطين: “ولا تنسوا فلسطين وإلا ستندمون”.
أخيراً، ما يمكن فهمه من كتاب أنطون سعاده كان مثالاً للشاب الواعي المجتهد في سبيل قضية أمته ونشد تحقيق الخير والأمل والسيادة والنهضة. وأنه لو كان سعاده حاضراً لواجه كلّ أشكال الهيمنة والتدخلات والتطبيع والتدويل، وعاند الانعزال والتفرقة والتقسيم، وسخر من الحياد، وحمل البندقية لأجل تحرير فلسطين سورية والعراق واليمن، وإزالة “إسرائيل” من الوجود وإخراج القوات الأميركية من المنطقة.
باختصار، كان أنطون سعاده رجل علم وفكر وسياسة وكلمة وعقيدة وممارسة ورصاصة، كان رجلاً لفلسطين، ومن حقه على أجياله أن يكون معلمهم وملهمهم، ومن حقه عليهم أن يحملوا قضيته.
أيها السوريون القوميون، ولادة سعيدة..