أقامت منفذية الحصن في الحزب السوري القومي الاجتماعي ندوة في المركز الثقافي في مرمريتا بعنوان “تحولات الهيمنة الجيوسياسية في العالم والمنطقة”، حاضر فيها عميد الاقتصاد في الحزب طارق الأحمد، أعقبها توقيع الأمين فاتح يازجي كتابه: “مفاهيم قومية اجتماعية”، وتكريم لكل من الرفقاء عيسى يازجي، سعدالله يازجي، عيسى زريبي وعازار نجار، الذين حازوا تنويهاً من رئيس الحزب وائل الحسنية، وتحدث باسم المكرمين الرفيق عيسى يازجي.
كما تمّ تقليد “وسام الثبات” لكل من: الأمين فاتح يازجي والأمين الياس خليفة والرفيق عزيز حديد الذي ألقى كلمة بالمناسبة.
حضر الندوة والتكريم، وفد مركزي ضم: عميد الداخلية رامي قمر، عميد الدفاع علي عرار، العميد عضو مجلس الشعب د. أحمد مرعي، منفذ عام الحصن ديبان موسى وهيئة المنفذية، أمين شعبة تلكلخ لحزب البعث العربي الاشتراكي، القنصل الفخري عازار عازار، كاهن رعية مرمريتا الأب قسطنطين سليمان وممثلون عن دير القديس بطرس وجمعية الخدمات الاجتماعية بمرمريتا وحشد من القوميين والمواطنين,
العميد طارق الأحمد: الانسحاب الأميركي من أفغانستان يقوض مشروع الهيمنة على آسيا ويجعل من كل القواعد والقوات الأميركية في المنطقة بلا فاعلية
أميركا بكل مشروعها الذي خاضته تحت ما سمي بالربيع العربي فشلت في النيل من دمشق
تناول عميد الاقتصاد طارق الأحمد في محاضرته الحدث الأبرز وهو الانسحاب الأميركي من أفغانستان وأثره في الهيمنة الغربية المتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية على العالم، وما يعنيه هذا الانسحاب. وقال: إن الولايات المتحدة الأميركية التي شكل حجم اقتصادها بعد الحرب العالمية الثانية وفي مرحلة الخمسينيات والستينيات ما يقرب من 45 في المئة من اقتصاد العالم بأسره، وصل اليوم الى نحو 17 في المئة نزولاً لصالح قوى صاعدة كالصين التي تجاوزت أميركا في حجم اقتصادها، وبات هدف الولايات المتحدة الأميركية الدائم هو عرقلة نمو بقية القوى الصاعدة من خلال أذرعها وقواها في العالم، لا سيما قواعدها العسكرية المنتشرة على أهم المفاصل الجيوسياسية في العالم.
وبيّن الأحمد آليات النزوع الأميركية الدائمة للسيطرة على المضائق البحرية وبخاصة بعد ما شهدناه في الأعوام الأخيرة من الحرب الشرسة على اليمن ورغبتها في السيطرة على المنطقة الممتدة من مضيق عدن وكل تلك المنطقة المتاخمة للقرن الأفريقي.
ولفت إلى أنّ هناك دولاً بعينها تمثل أهمية قصوى لمفاصل السيطرة والهيمنة الأميركية – الغربية بالعموم على بقاع كاملة من العالم، وأن هناك منطقتين جيوسياسيتين مستهدفتين لإطباق الهيمنة على آسيا، وهما طبعاً سورية ونعني بذلك سورية الطبيعية، خصوصاً العراق والشام، إذ إنه وبعد غزو العراق عام 2003، بدأت في العام 2011 الحرب الإرهابية الكونية على الشام، إلاّ أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تستطع، بكل مشروعها الذي خاضته تحت ما سمي بالربيع العربي وهو حريق عربي، أن تحقق مأربها في السيطرة على دمشق، بالتالي فقد أفلتت هذه العاصمة المهمة من السيطرة، تماماً كما جاء على لسان أمير قطر الذي قال بالفم الملآن وباعترافه بأنهم قد دفعوا أكثر من مئة وخمسين مليار دولار للمجموعات الإرهابية.
وقال الأحمد: بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، يكون خط دمشق – كابول خارج نطاق الهيمنة الاستراتيجية والصراع حوله، وفي غياب الهيمنة الأميركية على هذا الخط تخلو الساحة من الثقل الأميركي العسكري بالقواعد والقوات، وبخاصة بعد أن تم انسحاب وإعادة تموضع وتخفيف للقوى الموجودة في السعودية وحتى لبطاريات الباتريوت، ولو أنه بنوع من إعادة الانتشار، ولكن لا يمكن لحدث كهذا إلا أن يُقرأ تحت عنوان تخفيف الوجود وليس زيادته، بالتالي حتى ولو شهدنا بأنه نوع من العمليات التكتيكية الأميركية لكن عنوانه الرئيس والواضح هو تخفيف الوجود وبالتالي ضعفه، وعندما نتحدث عن خلو المنطقة أكثر فأكثر من الهيمنة الأميركية سواء كان في سورية أي دمشق وما حولها فهذا سينعكس حتماً على مناطق أخرى وقد انعكس فعلياً، وهذا قطب أساسي في منطقة غرب آسيا، ما يعني أنّ عنصر الهيمنة قد ذهب إلى الزوال.
وحول الفرضيات التي تطرح وبأن ثمة مشروعاً أميركياً لنشر الفوضى في هذه المنطقة من جديد، أشار الأحمد إلى أن هناك نظرية تقول بأن الولايات المتحدة الأميركية قد سحبت قواتها عمداً من أجل أن تبث الفوضى في كل تلك المنطقة من قلب آسيا، والمتاخمة بشكل جيوسياسي للصين وهي القوة العظمى الصاعدة، إضافةً إلى الاتحاد الروسي الذي يتاخمها بالمعنى الجيوسياسي، وإن كانت الدول الحليفة له هي التي تتاخمها بالمعنى الجغرافي مثل طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وغيرها. وهنا فإن أداء الولايات المتحدة الأميركية هذا يشبه من يضع رجله على لغم كبير وقد قرر أن يسحب قدمه هذه من أجل أن ينفجر هذا اللغم بالآخرين، وهذا الأمر وجيه وقابل للبحث وهو ممكن وأكثر من ذلك، فهو في ذهن وتخطيط الولايات المتحدة الأميركية. لكن حتى ولو انفجر هذا اللغم فإن بعد الانفجار ما بعده… فالجو الأفغاني لن يبقى متفجراً إلى ما لا نهاية، وإن هذه الدول المهتمة جداً بأفغانستان، ونعني هنا الصين والاتحاد الروسي وحتى إيران، هي معنية أيضاً بالسيطرة أو بوجود سلمي وهادئ في أفغانستان، بالتالي فإنها ستسعي بالمعنى الجيوسياسي لأحد سيناريوهين محتملين :
الأول هو أن تمنع الحروب التي ستجري فيها وتسيطر سلماً بالتوافق مع القوى الجديدة الموجودة، أي طالبان، على رغم الشكوك الجدية في استعداد حركة طالبان لنوع كهذا من التجديد العقائدي البنيوي، الذي إن حصل فهو سينخر ثم سينسف الأساس العصبي الذي قامت عليه وربما قد يحدث هذا فعلياً مع الزمن.
الثاني وهو التفسير الأكثر عقلانية، وهو أن الولايات المتحدة الأميركية تخرج مضطرة من أفغانستان وهي ليست بمعنى ما من المعاني مرتاحة بوجودها هناك ثم قررت أن تنسحب، بالتالي فهي وإن كان تشبيه رفع قدمها عن اللغم هو تشبيه قريب للمعنى لكنها مع ذلك تخرج مضطرة من هذا البلد، فتُخلي هذه المنطقة للقوى الصاعدة التي تمثلها الصين بشكل رئيسي. والصين هنا هي مصنع العالم الجديد وهي تحوي على أكبر كم من الإنتاج في العالم وهو كعضلة القلب التي تضخ الدم في الشرايين إلى كل أرجاء الكرة الأرضية، وبقربها أيضاً الهند واليابان وكوريا وتايوان وكل منطقة نمور آسيا، إضافة إلى الاتحاد الروسي في شمال أفغانستان، بالتالي فإننا نتحدث عن منطقة شديدة الأهمية وشديدة التركيز في المستقبل الاقتصادي للعالم، ولذلك فإن الهدوء في أفغانستان وإحلال السلام في هذه المنطقة إضافة إلى خلوها من الهيمنة الغربية، تمثل هدفاً لهذه الدول وأهمها الصين وروسيا بشكل رئيسي، وهذه المنطقة تقع على امتداد طريق الحرير ومشروع الحزام والطريق حتى غرب آسيا، وهو ما سيمهد لتمركز حضاري جديد في الخمسين سنة المقبلة بين أوروبا ومنطقة شرق آسيا، بعيداً من الهيمنة التي سادت خلال المئة عام الماضية بين ضفتي الأطلسي، أي بين لندن ونيويورك. بمعنى أن ما نشهده حالياً وإن كان لا يقاس بالسنوات بل هو قد يقاس بالعقود أي بعشرات السنين، من تحولات قد تكون بطيئة أو سريعة، لكنه على مر السنين سوف يعني انتقالاً للحضارة الاقتصادية والإنسانية، بالتالي إلى منطقة شرق آسيا أي على ضفتي طريق الحرير القديم الممتد من روسيا والصين أي بين بيروت وشنغهاي، وليس كما كان سابقاً بين لندن ونيويورك وهنا سنشهد تحولات جيوسياسية كبيرة مسايرة لهذه التحولات.
وختم الأحمد بأننا نشهد من هنا من بلدة مرمريتا التي وإن كانت دوماً منبراً للفكر والمفكرين وإشعاعاً حضارياً، فهي كانت أيضاً بلدةً مقاومة كما كل المحيط السوري المقاوم حولها، ومن هنا نعلن بأن التحولات الجيوسياسية هي قادمة نحو سورية وأن القوات الأميركية لن تستطيع أن تبقى في سورية، بخاصة لأنها لن تستطيع أن تبقى في العراق، إذ لا يمكن للقواعد الأميركية الهشة في الشمال الشرقي السوري الاستمرار والبقاء إذا تخلخل وجودها في العراق. وإنّ تداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان لا بد أن ينعكس على كل الوجود الأميركي في بقية المناطق ومنها بغداد وبيروت، وبقية المناطق المتاخمة لها، وهذا ما يجب أن نشاهده قريباً.
وفي نهاية المحاضرة نقل الأحمد تحية قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي للحاضرين جميعاً.
بعد المحاضرة والتكريم توجه الوفد المركزي مع منفذ عام الحصن وهيئة المنفذية وعدد من المسؤولين إلى بلدة الزويتينة للمشاركة في افتتاح مكتب مفوضية الزويتينة.
09/09/2021 عمدة الإعلام