الدكتورة إليزنجيلا كارولينو*: كتاب “نشوء الأمم” جدير بالدراسة المتأنية والاهتمام
*اختصاصية في علم الجغرافية ـ حائزة على دكتوراة في الهندسة الزراعية من جامعة "بوتوكاتو" في سان باولو ـ أستاذة التدريس البيئي في جامعة "تويوتي" كوريتيبا - بارانا – البرازيل
بادئ ذي بدء يسرني أن أقدّم التهنئة لمنظّمي ومعدّي كتاب “نشوء الأمم” لمؤلفه العالم الاجتماعي أنطون سعاده، والذي ترجمه إلى البرتغالية الأستاذ يوسف المسمار. كما أودّ أن أبدي بعض التنويهات الخاصة بموضوع البيئة الذي تناوله الكتاب.
لقد رافق الإنسان تغيّرات الطبيعة منذ بداية ظهوره على الأرض، وفي المجتمعات البشرية البدائيّة كان تدخله وتأثيره على الطبيعة أقلّ بكثير مما وصل إليه في زمننا الحالي، فهو لم يكن يستخرج منها الا ما كان ضرورياً لأوده وبقائه على قيد الحياة مثل صيد الحيوانات البرية وصيد الأسماك، والاستفادة من جلود الحيوانات للتدفئة في فصول الشتاء القارصة، واستخدام النباتات للأغراض الطبية وغيرها من الأمور.
ومع مرور الزمن، فإن علاقة المجتمع المعاصر مع الطبيعة أصبحت علاقة تنافر وعدم انسجام مما سبّب ارتفاعاً كبيراً في التدهور البيئي. وهذا التدهور أو التردّي البيئي الملحوظ كان بسبب سوء استخدام واستغلال الأراضي، وتلوّث المياه المتأتي من مصادر التلوّث والعدوى المختلفة، وتوليد النفايات وتراكم بقايا الأجسام الصلبة في البيئة، وانبعاثات ملوثات الهواء في الجو، ومشاكل السكن. وكل مشاكل التردّي هذه نتجت من جراء التعدّي على الطبيعة وتدخلات الإنسان بالشكل الذي لا يتوافق مع طبيعة البيئة والحفاظ على صلاحها. وكل ذلك كان نتيجة لنمط الإنتاج الرأسمالي وارباحه والتغيّر الحاصل في الفضاء الجغرافي من خلال العمل الانساني، ما جعل الإنسان ينظر الى الطبيعة من خارج الطبيعة بدلاً من أن يعتبر نفسه جزءاً منها.
إن السياسات البيئية الحالية لبعض البلدان هي محل ريبة وشك، نظراً للحدود البيولوجية لكوكب الأرض التي تجاوزت الكثير من المجالات.
ولذلك، فإن الادارة العامة هي أمر ضروري سواء أكانت على الصعيد الاتحادي الفدرالي أم على صعيد الولايات المحلي والتي تشجع على تطوير وتطبيق التقنيات (التكنولوجيات) التي تركز على حماية وصون وإصلاح البيئة الطبيعية، وتشجيع المزاولات والتطبيقات البيئية السليمة من قبل السكان والشركات التي تمارس نشاطاً صناعياً غالباً ما يؤدي الى التدهور البيئي. وهذه هي اللحظة التي تتطلب تغييراً في السياسة البيئية العالمية على مستوى الكوكب الذي نعيش عليه، وذلك بمساعدة كل مجموعة من الأساتذة الأكاديميين، والسلطات، وقيادات المجتمعات التي لها دور مهم في هذه العملية، وسوف يؤدي ذلك الى تعزيز المواطنة.
نحن بحاجة إلى إيجاد الأسباب والتوعية التي تؤدي الى تحويل مختلف أشكال المشاركة الى إجراءات تتحقق فعلاً في الممارسة العملية كما ذكر في تقرير برونتلاند، والذي هو وثيقة بعنوان: “مستقبلنا المشترك” الذي أعدّته اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية“.
إن من الضروري أن يكون لنا على هذا الكوكب طريقة من طرق التنمية التي تلبي حاجات الجيل الحاضر من دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة، وهذا يعني تمكين الناس في الحاضر والمستقبل من الوصول الى مستوى مرضٍ من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنجاز الانساني الراقي، والقيام في الوقت نفسه باستخدام مستدام لموارد الأرض والحفاظ على الأنواع والموائل الطبيعية.
وقد كان العالم الاجتماعي انطون سعاده موفقاً جداً حين قال في مؤلفه:
“إن البيئة الطبيعية من الأهمية في المكان الأول، لأنها هي التي تمدّه بالمواد الخام اللازمة لصنع أدواته وإعداد معداته“.
وأضاف أيضاً:
“إن من أهم مؤثرات البيئة أو الأرض في تمييز الجماعات أنها أهم عامل في تكوين شخصية الجماعة“.
وكانت القاعدة التي توصل اليها في نهاية فصل الأرض وجغرافيتها في كتاب “نشوء الأمم” معبّرة جداً عن أهمية الأرض لوجود البشر، واهمية البيئة لوجود الجماعة، وأهمية الجماعة لوجود التاريخ بشكل واضح هي هذه القاعدة التي تقول:
“لا بشر حيث لا أرض، ولا جماعة حيث لا بيئة، ولا تاريخ حيث لا جماعة”.
وهي من القواعد المهمة التي تناولها كتاب “نشوء الأمم” الجدير بالدراسة المتأنية والاهتمام.