شيّعَ السوريّون القوميّون الاجتماعيّون في البقاعِ الغربيّ، المناضلَ القوميَّ محمد أحمد الخشن (أبو ياسِر) الذي رحلَ عن عمرٍ ناهزَ السابعة والثمانين عاماً قضى معظمَها في ساحات النضال القوميّ الاجتماعيّ.
الرفيقُ الراحل من مواليد العام 1937، انتمى إلى الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ عام 1957، تسلَم مسؤوليّات عدّة منها: مدرِّب ومحصِّل وناموس ومدير لمديريّة سُحمر وناظر للتدريب في منفذيّة البقاع الغربي.
وبمناسبة مرور ثلاثة أيّام على رحيله، أقيمَ له حفلٌ تأبينيٌّ حاشد في بلدتِه سُحمر، حضرَه مسؤولون مركزيّون ومحليّون في الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ وفاعليّاتٌ حزبيّة وسياسيّة وحشدٌ من القوميين الاجتماعيين وأبناء بلدة سُحمر وعائلة الفقيد الراحل.
زهير الخشن
ألقى زهير الخشن كلمة تعريفية جاء فيها:
لا تحسبن الفراق هيناً إن الفراق لبعض القلوب مماتُ.
ما أصعب أن تُجبر قلبك على الكتابة بعد أن حبست كل دموع الحزن وكتمت كل زفرات الأنين والألم داخله.
وتبقى في النفس غصّة تكتب كلمات رحيلك وما أصعبَه وما أشدّ وجع قلوبنا على فراقك.
أبا ياسر يا رفيقي وعمي يا وميض شهب خطا على ملعب النهضة منذ نعومة أظفاره بإطلالة رجل شجاع نضر المطلع، ما أخطأ العنوان. فها هو الزعيم القدوة نجيع الوجدان مليء يخضّب رمل بيروت بدمائه الزكية.
أبا ياسر، يا موج البطولة المؤيدة بصحة العقيدة، يا رفيقا مع سجية غنية بالكرم والسخاء والبذل والعطاء، ونفس طافحة بالرجولة والإباء. سكت النبض وهوى البطل وبقيت الزاوية القائمة نبراس الوفاء.
الشيخ حسين الخشن
وألقى سماحة العلامة المحقق الشيخ حسين الخشن كلمة عدد فيها مزايا الراحل ونضاله، ثم قال: “فلسطين هي التي تجعلك في الطليعة قد لا تستطيع أن تحمل سلاحاً لكن فليكن فنك هو السلاح، فليكن قلمك هو المقاومة وليكن شعرك هو الانتفاضة.
وأضاف: فلسطين تبارك من ينتسب إليها وتقدس من يتعلق بها. فلسطين هي الجامعة الموحدة، فلسطين اليوم وما يجري فيها وما حولها ومن الأرض التي باركنا حولها من حراك من مقاومةٍ من بذلٍ من انتماء. فلسطين هي الجامعة هي التي تنتشلنا من كل العصبيات التي اجتاحتنا في العقدين الماضيين، العصبيات المذهبية والطائفية المدّمرة، انتشلتنا من كل هذه الزنازين الضيقة ووضعتنا في فوهة الزمن، وضعتنا في مكان عام. نعم فلسطين هي الجامعة الموحّدة وفلسطين هي الخافضة الرافعة، كما يقول الله عن القيامة الخافضة الرافعة.
كلمة الحزب
وألقى كلمة الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ الأمين كمال نادر فقال “نأتي إلى سُحمر العزيزة على قلبي، بلدة الشهداء والمناضلين في الحزب القوميّ وفي أحزاب وحركات المقاومة الوطنيّة والإسلاميّة، لتكريم فقيدنا الرفيق المُناضل أبو ياسر محمد الخشن بمناسبة مرور ثلاثة أيّام على وفاته، عن عمرٍ ناهزَ 87 عاماً قضى منها خمسةَ وستين عاماً في ميادين النضال القوميّ”.
أضافَ “في طفولته فقدَ الرفيقُ أبو ياسر ذراعَه في حادثٍ أليم، لكنّه استمرَّ مكافحاً الصخرَ القاسيَ ويتعاملُ مع الأرضِ والتراب والشجّر لتحصيل قوت عيشه وعياله، وواجهَ الشمسَ بجبينه الأسمر وببريق عينيه. وأديبُنا سعيد تقيّ الدين يقول: إنَّ الذي يمضي عمره منحنياً أمامَ القويّ لا تلمعُ الشمسُ على جبينه أمام الذي يشمخُ بعقيدته وإيمانه ورجولته وشجاعته فإنَّه يواجه الشمسَ ولا يخاف”.
وتابعَ “أبو ياسر كان منذ نعومة أظفاره هكذا، انتمى إلى الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ سنة 1957 والحزب القوميّ يعلّمُنا وقفاتِ العزّ. ووقفةُ العزِّ هي دائماً منتصبةُ القامة شامخةُ الرأس والعينين. القوميّون تعرّضَوا للتنكيل والتعذيب والسجن منذ أن تأسَّس الحزبُ سنة 1932، لكنّهم ظلوا على إيمانهم القومي، ومنه الرفيقُ أبو ياسر الذي منذ انتمائه كان حاضراً وفي طليعة الصفوف بطلاً مقداماً يبتدعُ القوّةَ ورفقاءه”.
وأردفَ “أبو ياسر ما أحنى رأسَه أمامَ جلاّدٍ أو جبّارٍ ظالمٍ أو صاحبِ سلطان، بل كانَ دائماً حرّاً مرفوعَ الرأسِ وكانت الشمسُ تلمعُ على جبينه وفي عينيه مثل غالبية أبناء هذه البلده المناضِّلة والصابرة على المجازر والمكارب التي مرّت بها”.
واستحضرَ نادر أحداثاً عديدةً مرّت بها الأمّة، ولا سيّما الحرب الأهليّة التي عصفَت بلبنان، لافتاً إلى أنّه “على الرغمِ منَ الاجتياح الصهيونيّ ودخول الحلف الأطلسيّ كلّه إلى جانب العدوّ، فإنَّ مقاومَتنا تصدّت للمتعددةِ الجنسيّات ودحرَت الاحتلال الصهيونيّ عن معظم الأرض اللبنانيّة التي كان يحتلُّها”.
وتحدَّثَ عن جبن جيش الاحتلال الصهيونيّ الذي قيل إنّه لا يُقهَر، مشيراً إلى النتائج التي حققتها العمليّات الاستشهاديّة في مراحلها الأولى. وقالَ “بعدَ هذه العمليّات الاستشهاديّة، ذهبَ رئيسُ الأركان الصهيونيّ إلى الكابينت وقال لهم “مثلما أعطيتموني الأمرَ بالدخولِ إلى لبنان وقلتم لنا إنّنا ذاهبون في نُزهةٍ عسكريّةٍ أطلبُ منكم الآنَ وفوراً الأمرَ بالانسحاب من لبنان”. مضيفاً: “لا أستطيعُ أن أمنعهم من أن يموتوا ولم أعد أستطيعُ أن أحمي جنودي في لبنان، أريدُ أن أنسحبَ فوراً”.
وتابعَ نادر “لقد استمرّ تصاعُد العمليّات الاستشهاديّة والنوعيّة التي نفّذتها قوى المقاومة، الحزبُ القوميّ وأحزاب وفصائل جبهة المقاومة الوطنيّة وأفواج المقاومة اللبنانيّة أمل، فالمقاومة الإسلاميّة حزب الله، إلى أن تحقَّقَ التحريرُ في 25 أيّار سنة 2000”.
وذكّرَ بالجرائم والمجازر التي ارتكبَها العدوّ الصهيونيّ منذ اجتياحه للبنان، ولا سيّما خلال عدوان عناقيد الغضب سنة 96 وتصفية الحساب سنة 93، وصولاً إلى حرب تمّوز 2006 “هذه الحربُ التي كانت تستهدفُ تصفية المقاومة، فإذ بالمقاومة تحوّلها إلى هزيمةٍ مدوّيةٍ للعدوّ الصهيونيّ وترسمِ من خلالها معادلاتٍ جديدة”.
وأردف “واليومَ بعد طوفان الأقصى وبعد هذه المقاومة الرائعة في إنجازاتها وتكتيكاتها وأسلحتها، رأينا كيفَ أنَّ عدوَّنا ينهار، وكيف تهافت رؤساءُ الحلفِ الأطلسيّ بايدن وماكرون والألمانيّ والبريطانيّ، كلُّهم جاؤوا ليرفعوا من معنويات العدوّ، وها هم بعد مرور ثمانية أشهر ونيّف يراوحون في الوحول يقولون سيطرنا على الشمال والوسَط، فإذا بالمقاومة تظهرُ في الشمال والوسَط والجنوب وفي كلّ مكان على حدّ تلك الأغنية التي نسمعُها “طالعلك يا عدوّي طالع من كل بيت وحارة وشارع”.
وقالَ “أثناء الاجتياح الإسرائيليّ كان أبو ياسر مع الشباب المقاومين وهنا نتذكّرُ شهداء المقاومة من أبناء هذه البلدة: سميح موسى ومهنّا علاء الدين وإسماعيل قمَر ومحمد الخشن والذين قضوا في كمينٍ للإسرائيليين وهم كانوا ذاهبينَ إلى الجنوب لتنفيذ عمليّة. نذكرُ طارق الخشن ولبنان منعم خلالَ الأحداث وشهداء تلّ الزعتَر ومجزرة سُحمر سنة 1984 ومجزرة سُحمر الثانية في بداية عناقيد الغضب عندما قُصفت عائلة بكاملها، واليومَ عائلاتٌ بكاملها تُمسَح من سجلاّت النفوس في غزّة وحكومات الغرب تقف متفرّجة… لا بل تشترك في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، بدليل أن الرئيس الأميركي جو بايدن، ينفي جرائم الإبادة الجماعيّة وجرائم الحرب ومجلس نوّابه سنَّ قانوناً البارحة لمعاقبة محكمة الجنايات الدوليّة لأنّها بدأت تُصدرُ مذكّرات توقيف بحقّ نتنياهو وغالنت وكلّ مجرمي الحرب الصهاينة”.
وردّ نادر على الأصوات التي تهاجم المقاومة وبأن لبنان غير معنيّ بمساندة غزّة والمقاومة في فلسطين، لهؤلاء نقول: بلادُنا واحدةٌ. ومن غير المقاومة التي تقاتلُ الآن في فلسطين وجنوب لبنان لكانَ الاحتلال الإسرائيليّ لا زال في بيروت وكل منطقة. ومن غير المقاومة لما كان عندنا الحريّة ولا كرامة وطنيّة. محورُ المقاومةِ أثبتَ جدارَته وفاعليّته وهو مستمرٌّ ويكبُر وإنَّنا مدعوون إلى مواصلة هذا الصمود والأمرُ صبرُ أيّام أو صبرُ ساعات وسيتغيَّرُ العالم”.
وحيّاَ نادر “شهداءَ فلسطين، مقاومين وأطفالاً ونساء، وشهداء المقاومة في لبنان، مؤكداً “نحن معاً في كلّ هذا الصراع لبلوغ الانتصار”.
و”التحيّة لسورية الأبيّة، قلعة الصمود وحاضنة المقاومة، والتي تتعرّضُ لعدوانٍ صهيونيٍّ متواصل، هو استكمالٌ للحرب الإرهابيّة الكونيّة عليها”.
كما وجّهَ تحيّةً “إلى العراق ومقاومته في مواجهة تنظيم “داعش” الذي أنتجته المخابرات الأميركيّة، بعدما تعرّضَ لحربٍ تدميريّة قامت على أكذوبة أسلحة الدمار الشامل”.
كما حيّا نادر “اليمنَ الذي برغم أوضاعه والحرب عليه، هبَّ لنصرةِ فلسطين فمنعَ مرورَ السفُن لصالح كيان العدوّ عبرَ البحرِ الأحمر وفي خليج عدَن، وتحدّى الغطرسةَ الأميركيّة والغربيّة مستهدفاً حاملات الطائرات”.
وحيّا الجمهوريّةَ الإسلاميّةَ الإيرانيّةَ “التي شكّلت داعماً ونصيراً لفلسطين والمقاومة في أمّتنا”، مقدِّماً التعازي باستشهاد رئيسها السيّد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيّتها الدكتور حسين أمير عبد اللهيان ورفقائهما، مؤكّداً “أنَّ إيرانَ دولةٌ قويّةٌ وفيها مؤسَّسات لم تتأثَّر بهذه الخسارة الكبيرة”.
وختم موجهاً تحيّة إلى روح الذي جمعَنا وإلى أرواح الشهداء ونحنُ نقولُ في أفراحِنا: النصرُ لبلادنا. وفي أحزانِنا: البقاءُ لبلادنا، وكلّ جهادنا لأجلِ بقاءِ بلادنا وتقدمها ونهضتها وارتقائها وانتصارها على أعدائها، لذلك أقبلوها منّا هكذا، البقاءُ للأمّة”.
7/6/2024 عمدة الإعلام