دراسات/مقالات

تقدّم الأمة وشروط نجاحها.. عقيدة صحيحة ومؤسسات قوميّة

د. أدمون ملحم

لم تحقق الأمم المتقدّمة ما وصلت إليه من مراتب الرقي الحضاري والتقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي بما لديها من ثروات وموارد طبيعية فقط بل باعتمادها أيضاً على قدرات شعوبها ومواهبهم وبالاستعانة بمؤسسات صالحة للنهوض والارتقاء وباعتناقها مبادئ صحيحة مكّنتها من الصعود إلى مرتبة الأمم العظيمة. “إنّ الأمم الكبيرة لم تكن كبيرة في الأصل”، يقول سعاده، “بل كبرت باعتناقها المبادئ الصحيحة التي تفتح أمامها سبل التقدم والارتقاء والفلاح”.[1]

والتاريخ مليء بالأمثال عن أمم، كإنكلترا وألمانية وفرنسة وغيرها، ارتفعت “من درجة الصغر إلى مرتبة الكبر بتوخيها العقيدة الصالحة لكيانها. كذلك هبطت أمم من مرتبة الكبر إلى درك الصغر بعدولها عن عقائدها الصحيحة إلى عقائد غير صالحة لكيانها وتقدمها”.[2]

وأمتنا السورية كانت في الماضي أمة كبيرة، عظيمة، يُحسب لها حساب وقد بسطت سلطانها وسؤددها “على ثلاثة أرباع المنطقة التي كان لها شأن تاريخي في العالم المعروف، وكان لأساطيلنا البحريّة من الصولة والقوة ما لأساطيل بريطانية وأميركانية اليوم”.[3] ولكنها ضعفت وسقطت بعامل الفتوحات البربريّة المتعدّدة. “فتفكك نظامنا وعمّت فينا الفوضى وشاعت فينا المذاهب الفاسدة والنظرات الغريبة عن مصالحنا فصرنا أمة صغيرة بعد أن كنّا أمة كبيرة عظيمة”.[4]

إن خروجنا من أوضاع الانحطاط ومفاسد السياسة والاجتماع والاقتصاد ومن كل الحالة الزرية، التعيسة، التي نحن فيها واستعادة سؤددنا وعظمتنا ليس بالأمر المستحيل. فنحن شعب غني بمواهبه العقلية ويتمتع بنفسية صراعية قادرة على التغلب على ما يعترضها من معوقات وفيها كل امكانيات الخلق والإبداع والتفوق والانتصار في معترك الحياة.

والشرط الأول لتحقيق إمكانية النهوض هو اعتناقنا للعقيدة الصحيحة الجامعة التي تدفعنا إلى التآخي والاتحاد والتضامن والتعاون بإخلاص لننقذ أنفسنا من الأخطار الخارجية و”من الحزبيات الدينية، من الطائفيات، من تأثير الدول على هذه الحزبيات والطائفيات، من الأحقاد المتغلغلة في الصدور..”[5]، ولنكون شعباً واحداً، وإرادة واحدة، سائرين إلى المجد.

باعتناقنا العقيدة الصحيحة الجامعة التي تدفعنا إلى التآخي والاتحاد والتضامن والتعاون بإخلاص ننقذ أنفسنا من الأخطار الخارجية ومن الحزبيات الدينية، من الطائفيات..

والشرط الثاني لتحقيق إمكانية النهوض هو اعتمادنا على المؤسسات القوميّة الصالحة للأعمال الإنشائية العظيمة التي تهتم في شؤوننا ومصالحنا وتساهم في ترقية هذه المصالح وبناء الحياة القومية الاجتماعية الجديدة.

ونحن لنا إيمان لا يتزعزع بأننا قادرون على النهوض والاستقلال واستعادة حيوية الأمة وقوتها وإنشاء عظمة وسؤدد جديدين بفضل النهضة القومية الاجتماعية القائمة على عقيدة صحيحة، متينة، تعبِّرُ عن جوهر نفسيتنا الخيّرة وعن تطلعاتها وطموحاتها الكبرى في الحياة.

إن أهمية نهضتنا العظيمة تكمن في أمرين: أولاً، في قوة المبادئ الصحيحة القائمة عليها والضرورية لوحدتنا ولحياتنا. وثانياً، في المؤسسات القومية الجديدة الصالحة للنهوض بحياتنا وصيانة مصالحنا القومية والمؤهلة لحمل مبادئ الحياة الجديدة وحفظ مطاليبها العليا وخططها الأساسية”[6]. بتوفر هذين الشرطين: العقيدة الصحيحة والمؤسسات القومية الجديدة، نستطيع أن نحطم الحواجز المصطنعة ونحرِّرَ النفوس من الأغلال الاقتصادية والروحية ونشقَّ طريق الحياة الجديدة للأمة ونَقودها “إلى مراكز المجد، إلى الخير، إلى البحبوحة، إلى العظمة، إلى إعطاء العالم من إنتاجها العظيم”.[7]

نحن حسمنا خيارنا وقررنا بكل عزم وإيمان أن نكون أبناء نهضة قومية اجتماعية، عظيمة، وجماعة نهوض قومي وعز وحريّة للأمة. نحن لسنا جماعة أقاويل وشعارات.. بل جماعة عمل منظّم تؤمن بمبدأ القوة المنظمة وبالعقل شرعاً أعلى وبالصراع المستمر من أجل حرية الأمة وتقدّمها..

يمكننا النهوض باعتمادنا على المؤسسات القوميّة الصالحة للأعمال الإنشائية العظيمة التي تهتم في شؤوننا ومصالحنا وتساهم في ترقية هذه المصالح وبناء الحياة القومية الاجتماعية الجديدة.

ونحن لسنا جماعةَ أحلام وتمنّيات.. بل جماعةٌ مدركةٌ، واعيةٌ، تعتمد على أفعالها. نحن حركة صراع وقتال ضد الباطل والاستعباد والظلم والشر والفساد.. حركة صراع بالمبادئ والقيم السامية التي نحمل وحركة قتال بدمائنا وأرواحنا و”لو لم نكن حركة صراع”، يقول سعاده، “لما كنا حركة على الإطلاق، لا تكون الحياة بدون صراع”[8]. ومن يرفض الصراع يرفض الحرية ولا ينال إلا الذل والعبودية.

نحن نرفض حياة الذل وثقافة الهزيمة والتخاذل والاستسلام ونعشق حياة العز وثقافة العمل والبناء والإنتاج، لأننا نفهم الحياة حقاً وخيراً وجمالاً وإبداعاً..

نحن نؤمن بالبطولة المؤمنة والتضحية بإخلاص ونؤمن بثقافة المقاومة لأعداء الوطن والشعب، لأننا أبناء الحياة الجديدة، أبناء النهضة القومية الخلاّقة التي “تحارب في جميع الجهات، لأن حربها هي حرب عز لهذه الأمة”.[9]

نحن في حالة حرب غايتنا فيها بلوغ الغايات الإنسانيّة الأخلاقيّة الأعلى: الحرية والعدالة والكرامة الإنسانيّة. “إنها حرب مميتة بين نهضة العز ونهضة الذل!.. إنها حرب مميتة نسير فيها إلى نهايتها فإما عز لهذه الأمة، وإما ذل لها!”.[10]

[1] خطاب الزعيم في خونين، 31/01/1943، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 61، 15/06/1943.

[2] المرجع ذاته.

[3] المرجع ذاته.

[4] المرجع ذاته.

[5] خطاب الزعيم في بيت مري، 19/10/1947، الشمس، بيروت، العدد 299، 19/10/1947.

[6] سعاده في أول آذار 1956، ص 47.

[7] خطاب الزعيم في بيت مري.

[8] سعاده في أول آذار، ص 99.

[9] سعاده في أول آذار، ص 94.

[10] المرجع ذاته، ص 94-95.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى