بمناسبة الأول من آذار، عيد مولد باعث النهضة السورية القومية الاجتماعية أنطون سعاده، أصدر عميد الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين مأمون ملاعب بيان الأول من آذار وجاء فيه:
رزحت أمتنا السورية تحت احتلال تركي بغيض لأكثر من أربعة قرون كانت كفيلة بعزلها عن العالم، وبمنعها من مواكبة أيّ تطوّر.
في أواخر تلك الفترة الاحتلالية، وتحديداً في الأول من آذار من العام 1904 كانت ولادة أنطون سعاده التي شكلت الأمل الجديد للأمة السورية لتنهض من كبوتها. فكانت أولى وقفات العز القومية التي جسدها سعاده برفضه الهوية الاحتلالية التركية وإنزاله لعلم الإمبراطورية الطورانية من على سارية مدرسته الابتدائية.
لما تتمتع به أمتنا من موقع جغرافي ممتاز، وبما فيها من ثروات عز نظيرها، لم يكد يموت ذلك “الرجل المريض” حتى استهدف أمتنا تنين جديد متعدّد الرؤوس والأطراف يهودي – بريطاني – فرنسي، إنقضّ يمزق جسد الأمة ويمعن في نحرها وتشويه وجهها وطمس معالمها ظناً منه أنه بذلك يقضي على أعرق أمم الأرض وأكثرها مدنية وأجذرها حضارة.
لكن الأمة السورية، كعادتها، تعلن دائماً إرادتها من خلال أبنائها كما تعلن عن شخصيتها ودورها في حماية تاريخها الحضاري الثقافي وصياغة مستقبلها المشرق. فكان سعاده هو قلب الأمة النابض، وهو رئتها التي تتنفس منها، حتى بات عقلها الذي بعث فيها نهضة لم تكد تشهد لها مثيلاً.
ابتدأ سعاده طريقه الشاقة بتحديد الهوية القومية “نحن سوريون”، وحسم كوننا “أمة تامة”، فزرع فينا إرادة صلبة وعزماً لا يلين. شحذ فينا الهمم حين ظنّ الجميع أنّنا أمة قضت، فأضحت قاعدة من قواعدنا الأساسية “إنّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ”، فسعاده لم يأتنا بالخوارق والمعجزات بل بالحقيقة الراهنة التي هي نحن.
انطلقت العجلة، وتحوّلت النهضة إلى مرجل يغلي، فكان الحزب السوري القومي الاجتماعي حزباً خارجاً عن النمط التقليدي في بلادنا، حزباً يسعى لتحقيق غاية واضحة عظيمة ومقدّسة تساوي وجودنا عبر بعث نهضة تكفل تحقيق مبادئه، نهضة كفيلة بإخراج كلّ أبناء شعبنا من التخبّط والبلبلة إلى الوضوح والجلاء واليقين بمبدأ أساسي ثابت لا يتغيّر يكرّس “مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة”.
انطلق الحزب سرياً برفقاء ثلاثة، وبعد مرور سنوات ثلاث انكشف أمره عن آلاف من أبناء الأمة السورية انتموا إلى صفوفه، فعبّروا عن إرادتهم بحياة يملؤها العز لا تليق إلا بأمثالهم.
مارس القوميون الاجتماعيون البطولة فما خافوا الحرب، فانخرطوا عن إيمان راسخ في كلّ أشكال المقاومة ضدّ الاحتلال بكلّ مسمّياته. ولبّى رفقاء سعاده نداء جنوب الأمة السورية – فلسطين، فارتقى في العام 1936 أوّل شهداء الحزب الرفيق حسين البنا إلى عليائه من نابلس – جبل النار خلال تصدّيه هو ورفقاؤه للعصابات اليهودية.
لم يرق أمر هذا الحزب الوليد لأعداء الأمة جميعهم هم وأتباعهم، فقضّ مضاجعهم كلهم، وتوجّسوا الخطر على مشروعهم. فبدأت صياغة المؤامرة ليس على سعاده وحزبه فقط، بل على كلّ سورية من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.
اكتملت فصول المؤامرة بمحاكمة أقلّ ما يُقال فيها إنها صورية، وأعدم سعاده خلال ساعات سابقت حتى توقيع مرسوم الإعدام من قبل أركان الدولة اللبنانية آنذاك.
اعتقد أعداء الأمة أن باستشهاد سعاده يكون ملف هذه البلاد قد طُوي، وباتت لقمة سائغة لكلّ محتلّ وغاز. فكان جواب سعاده حازماً جازماً “أنا أموت، أما حزبي فباق. هذه الليلة سيعدمونني، لكن أبناء عقيدتي سينتصرون، وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي”.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،
التاريخ يسجل الأعمال والوقائع ولا يسجل الأماني والنيات. التاريخ الذي يصنعوه لنا من خارج إرادتنا مظلم بسواد يريد أعداء الأمة منه أن يحوّلها إلى كيانات تتباعد أحياناً وتتخاصم أحياناً كي تنقطع دورة الحياة فيها .
في لبناننا، وبعد انتصار تاريخي أجبر العدو “الإسرائيلي” على الإنسحاب ذليلاً هناك من يطالب بالنأي، وهل ينأى الإنسان عن نفسه أو عن الحياة وبعضه الآخر يقاوم الصعوبات والعقبات والعقوبات.
لم يتمكنوا من إركاع لبنان عسكرياً، فانتقلوا إلى الحرب الباردة، وجعلوا من انهيار العملة الوطنية جسراً ليعبروا من خلاله إلى ضرب الاقتصاد برمّته.
شامنا، ولأنها العمود الفقري لجبهة المقاومة والصمود، كان استهدافها بحرب كونية عاثت فيها إرهاباً وفساداً، فأغرقتها في دماء كانت معدّة للحرب القومية الهادفة إلى تحرير الجولان وفلسطين.
دمشق، أقدم عواصم التاريخ، تنتصر مجدّداً بفضل صمود استثنائي شارك رفقاؤكم في نسور الزوبعة في صناعته. فقدّموا إلى جانب جيش تشرين وكلّ قوى المقاومة أنموذجاً يُحتذى في الفداء القومي.
في فلسطيننا المسلوبة المغتصبة إعلان إرادة صمود وتصدّ، حوّل حصار غزة إلى انتصار، وقلب خنق الضفة إلى فعل مقاوم تمثل في عمليات بطولية لم يتمكّن عقل العدو من فهم تركيبتها .فيما أهلنا في المناطق المحتلة عام 1948 لا يزالون متمسكين بانتمائهم إلى أرضهم، وهم في حالة حرب ضدّ قوات الاحتلال يقاومون عنصريتها وجبروتها وصلفها.
أردننا أرض العزم بشعبه الأصيل، لا يزال على عهده بانتماء قومي متجذر، يرفض كلّ أشكال التطبيع مع الاحتلال، فخاض معارك متعددة رفضاً لاتفاقية الغاز، وتمكن من تحرير أرضنا المحتلة في الباقورة والغمر بعد ضغط ألزم الحكومة بعدم تجديد ملحق لاتفاقية وادي عربة .
لعراقنا الذي لم يسلم من استهدافه من الاحتلال الأميركي تارة ومن الاحتلال الإرهابي تارة أخرى، ها هو يستعيد قوّته ويعيد وصل ما تسبّب الاحتلال في قطعه. فها هي شرايين ثروات الأمة تمتدّ من العراق إلى الشام ولبنان دعماً وترسيخاً لصمودهما ومقاومتهما .
وصولاً إلى درة أمتنا على شاطئ الخليج، إلى الكويت التي صمدت في وجه كلّ محاولات التطبيع، فأبت أن تخلع عنها ثوبها القومي، وأكدت على تمسكها بهويتها دفاعاً عن فلسطين أرضاً وشعباً وتاريخاً وحضارة .
من هنا يبدأ التاريخ المشرق وتبيضّ صفحاته .
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،
فكر سعاده حاجة وخلاص لأمتنا. عقيدة سعاده تتقدم فارضةً نفسها كلّ يوم للحاضر والمستقبل حلاً لقضيتنا ومسائلنا.
الحصار والحرب المعلنة على كياناتنا تفرض وحدتنا .
التردّد وانحسار الثقة بأنفسنا بسبب ضياع الهوية والشخصية لا يعالجهما سوى الوضوح الذي تحملونه بمبادئكم.
الطوائف والاثنيات والعشائر لا توحدهم إلا عقيدة سعاده.
الفقر يحارب بالاقتصاد القومي القائم على أساس الإنتاج .
الفوضى تحارب بالنظام، والنظام يواجه بنظام أشدّ. والاحتلال لا يقتلع من أرضنا إلاّ بالقوة .
بهذا الإيمان نحن ما نحن، وبهذا الإيمان نحن ما سنكون، وبما نحن وبما سنكون، سيظلّ هتافنا في العالم يدوي “لتحي سورية وليحي سعاده”.
28/2/2021 عمدة الإعلام